تعتبر رياضة التايكوندو من الألعاب الرياضية الأكثر انتشاراً في الأردن، وقد شهدت زيادة ملحوظة في عدد الأندية التي تدرس هذه الرياضة في السنوات الأخيرة، إذ يتجاوز عدد الأندية 160 نادية، ويحمل الحزام الأسود أكثر من 30 ألف لاعب، عدى حصول الأردن على مراكز متقدمة عالميا في اللعبة، ما يشكل فرصة وأرضية للحوار والحديث حول التايكوندو تحديدا دون غيرها من الرياضات.
من خلال تجربتي الشخصية مع ابني يوسف، لاحظت كيف أن الأندية تستقبل عدداً كبيراً من الأطفال خلال فصل الصيف، حيث أصبحت اللعبة جزءاً من الحياة اليومية للعديد من العائلات حتى بدء العام الدراسي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن تتحول هذه الأندية من مجرد مشروع تجاري ربحي دون الاهتمام بالجوانب التربوية والوطنية التي يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من هذه الرياضة؟
تعتبر رياضة التايكوندو أكثر من مجرد تمرين جسدي؛ فهي تهذب النفس، تقوي العضلات، وتنمي جسم الطفل، وتجعل منه شخصاً صحياً بعيداً عن شاشات الأجهزة الإلكترونية.
وتجعل المجموعة الحصصية من أفرادها مجتمعا ثقافيا صحيا ذو اهتمام مشترك.
هناك مثال حي على أهمية هذه الرياضة في قصة البطل الأردني زيد مصطفى، الذي حقق ميدالية أولمبية في باريس 2024. بدأ زيد ممارسة اللعبة في سن الخامسة بناءً على رغبة من والده، الذي لاحظ نشاطاً زائداً لدى ابنه واعتبر التايكوندو وسيلة لتوجيه هذه الطاقة بشكل إيجابي. وفق تسجيل لزيد نشرته صفحة اللجنة الأولمبية عبر فيسبوك، هذه القصة تبرز أهمية الرياضة في تحسين سلوكيات الأطفال وتنمية قدراتهم.
لكنها تكشف عن تفسير منطقي لزيادة عدد الطلبة في الأندية وانتشارها، رغم أهمية الرياضة، إلا أن العدد الكبير من الأطفال في الأندية في الصيف يجعل من الصعب على المدربين التركيز على تطوير مهارات كل طفل بشكل فردي، وهي لعبة فردية بطبيعة الحال وفق التصنيفات الرياضية.
يرسل الأهالي أبناءهم للأندية لسببين رئيسيين: الأول هو الاعتقاد بأن التايكوندو يساعد في تفريغ طاقة الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة، والثاني هو انخفاض تكاليف الاشتراك مقارنة بالأنشطة الصيفية الأخرى.
لكن هذا يؤدي إلى غياب التركيز على تطوير المهارات الرياضية بشكل صحيح وصناعة أبطال رياضيين، ولكي نرتقي بمستوى الرياضة في الأردن، نحتاج إلى ثقافة رياضية تشمل جميع فئات المجتمع، وتجاوز فكرة النادي الربحي أو الموسمي الصيفي، حيث بات من الضروري أن تصبح الرياضة جزءاً من المنهاج الدراسي الحقيقي، وأقصد هنا أن لا نكتفي بوضعها حصة على الجدول الدراسي، أو على الأقل برنامجاً صيفياً منظماً في مدارس الحكومة، حيث يمكن تقديم هذه الرياضة بأسلوب ممنهج متكامل، ومناسب لقدرات أولياء الأمور المادية، ولتكن مدفوعة، وليخصص بعض الريع لصيانة المدارس مثلا.
إن حمل العبء مع اتحاد التايكوندو والأندية بشكل مؤسسي، سيسهم في تحسين سمعة الأردن الرياضية، وسيخلق جيلاً رياضياً قادراً على تمثيل بلده بفخر.
هذا بدور يوازيه دور آخر، يتمثل في التقليل من الأمراض الاجتماعية والسلوكية، ويعزز اللحمة الاجتماعية بين أفراد المجتمع الرياضي الذين هم بالنهاية ابني وزملائه الذين سيتحولون من لاعبين صيف، إلى أفراد مسلحين بالأبعاد التربوية والاجتماعية إلى جانب الروح التنافسية.
ونسأل أنفسنا، في ظل نجاحاتنا المتكررة، كيف نعظم هذه الميزة وطنيا؟