طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جلالة الملك عبد الثاني بن الحسين ان تستقبل الاردن ومصر عدداً من سكان قطاع غزة، بعد أن تسببت الحرب الإسرائيلية على القطاع في أزمة إنسانية هناك. وتأتي هذه التصريحات غير الواقعية ولا المنطقية، استرضاءاً لليمين الصهيوني في محاولة لتعويض الهزيمة في غزة عبر تبني خطاب التهجير بعد إجبار رئيس وزراء الاسرائيلي القبول بوقف الحرب خلافا لرغباته.
أثارت هذه التصريحات الكثير من القلق والتناقض لدى الشارع الاردني والذي يرى فيها إعادة طرح لهاجس قديم باعادة تطبيق خطة الوطن البديل من خلال التهجير القصري للفلسطينيين من ارضهم الى دول الجوار، وبنفس الوقت الطلب من بعض الدول تمويل اعادة البناء للقطاع المدمر مما يعطي مؤشراً ان ترمب يفكر بصوت عالي وبدون وجود خطط معينه بهذا الخصوص.
تحديات سياسة الادارة الامريكية للامن الوطني الاردني
يتبنى ترمب "استراتيجية مونرو الانعزالية عن العالم" وتبنى خلال حملته الانتخابية شعارات "اجعل امريكا عظيمة مجدداً" و" امريكا اولاً" وان مصالح امريكا العليا تتحقق بانهاء الحروب في العالم مركزاً على الحرب في اوكرانيا والقضية الفلسطينية، الا ان الذين عينهم في المناصب الرئيسية ومنهم: وزير الدفاع بيت هاجسيث. المؤيد لإعادة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى: ووزير الخارجية ماركو روبيو، وهو ينكر وجود الشعب الفلسطيني ويدعم ضم الضفة الغربية، بالاضافة الى مستشار الامن القومي مايك والتز والذي يعطى اسرائيل الحق بتدمير البرنامج النووي الايراني، وعدم ايقاف الخيار العسكري بالتعامل مع حماس حتى تدميرها بالكامل: كما ان مدير الCIA جون راتكليف احد صقور الادارة، يعطي مؤشراً على ان هذه الادارة ستفرض الرؤية الاسرائيلية كمشروع سلام على الجانب الفلسطيني الاضعف طرفاً، الامر الذي سينعكس على سلباً على استقرار منطقة الشرق الاوسط وما لذلك من تهديد على الامن الوطني الاردني.
الانعكاسات المحتملة على الاردن:
اولاً: افشال حل الدولتين وضم اسرائيل اراضي الضفة الغربية. وهي رغبة نتنياهو وحكومته اليمينة المتطرفة واستغلال علاقته بالرئيس ترمب لضم الضفة الغربية أو على الأقل، أجزاء كبيرة منها، مستغليين الادارة الامريكية الجديدة (الاكثر صهيونيةً بالتاريخ الامريكي) ولمعالجة التهديد الديموغرافي الحاصل سيتم التهجير القصري للفلسطينيين الى دول الجوار، وقد تتأثر الاردن من تهجير السكان القصري، خاصة اعادة حوالي 350 الف مواطن فلسطيني يحمل الجوازات السفر الاردنية.
ثانياً: فرض عملية سلام استكمالاً لصفقة القرن. تكون اقرب للموقف الاسرائيلي (لا للدولة الفلسطينية) مما يتعارض مع المصالح الفلسطينية والاردنية العليا وكما فعل مع ضم القدس وهضبة الجولان في رئاسته الاولى.
ثالثاً: الاعتداء على الحرم الشريف وبناء معبد سليمان بدلا منه، محاولة نزع الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في القدس الشرقية. حيث ان الهاشميون هم الأوصياء على هذه الاماكن منذ عام 1924، وهو الموقف الذي أعيد تأكيده في اتفاقية السلام الإسرائيلية-الأردنية لعام 1994 وفي الاتفاقية الموقعة عام 2013 بين السلطة الفلسطينية والأردن، الامر الذي سيثير الشارع الاسلامي والعربي ويمنع أي تطبيع عربي واسلامي رسمي مع اسرائيل تسعى له الادارة الامريكية.
رابعاً: التغاضى المتعمد لأهمية الأردن كعنصر رئيسي للاستقرار في الشرق الأوسط. وهذا يعني أن أهمية الأردن ستتراجع بالنسبة للولايات المتحدة، علماً بان الدور الاردني في استقرار المنطقة مشهود له في مكافحة الارهاب، ومكافحة تهريب الاسلحة والمتفجرات والمخدرات، مما سيكون له عواقب بعيدة المدى في حال تم اختلال هذا الدور على جميع الدول المجاورة للاردن.
خامساً: شن هجمات لتحييد البرنامج النووي الايراني. وقيام ايران بالرد الصاروخي على اهداف شرق اوسطية واسرائيلية، مما يجعل الاردن منطقة تقتيل للصواريخ المهاجمه والصواريخ المضادة لها وستكون جميع هذه الصواريخ عرضة للسقوط على الاراضي الاردنية.
سادساً: وقف او تقليل حجم المستعدات الامريكية للاردن كوسيلة ضغط لتقبل الاملاءات الامريكية، علماً بان المصالح العليا الاردنية هو قيام دولة فلسطينية لتحقيق الامن، الاستقرار والازدهار الاقتصادي لشعوب المنطقة.
في الخاتمة يجب الاشارة الى ان الادارة الامريكية ستحاول بشتى الوسائل ومنها استخدام الدبلوماسية الضاغطة (Coercive Diplomacy) والضغوطات الاقتصادية لفرض امر واقع جديد في الشرق الاوسط، يكون الاردن مستهدف خلال الاربع سنوات القادمة، للرضوخ لإملاءات الادارة الامريكية، في حين ان الاردن يملك من الادوات لرفض تهجير الفلسطيين من اراضيهم واعتبار ان الخطة الأميركية تهديد رئيسي للامن الوطني الاردني، ومحاولة جادة لتصفية القضية الفلسطينية وفرض حل غير عادل ولا يلبي مطالب الشعب الفلسطيني، ويبقي الصراع العربي الاسرائيلي يروح مكانه.
العلاقات الأمريكية الأردنية تاريخية، متداخلة ومتعددة الأوجه وذات طابع مؤسسي للغاية ومبنية على المصالح المشتركة للبلدين، وبالتالي ستظل قوية، مع الاخذ بعين الاعتبار إن الرئيس ترمب هو شخص براغماتي يعتبر الصداقة والعداء ليس وضعاً دائماً ويتم تحديده من خلال المصالح الوطنية المتبادلة .