منذ تأسيس أمارة شرقي الأردن، وقف الأردنيون بكل شموخ وفروسية في وجه كل التحديات الجسيمة، وجعلوا من بلدهم ملاذا لكل مستجير، ذلك أن وطنهم لم يوصد أبوابه في وجه الملهوف، بل فتح ذراعيه رغم ضيق الحال، ليحمل أثقال الموجوعين، من فلسطين التي تجرعت مرارة نكبة 1948، إلى سوريا التي عصفت بها المؤامرات وتحولت إلى مسرح لكل العابثين، ومن العراق الذي طحنته الحروب والفتن إلى اليمن وليبيا والسودان ولبنان؛ فالأردن كان السند والحِمى، يحمل معهم أوجاعهم ويقاسمهم رزقه ولقمة خبزه.
لكن، ما أقسى النكران حين يلبس ثوب الخيانة، وما أشد الألم حين يصبح الصديق المأمول منه العون؛ هو أول من يرمي سهامه عندما يصبح الأردن في مرمى النيران ويتم تحميله فوق طاقته، متناسين أنه كان وما زال الحضن الدافئ لمن تنكّر لهم الآخرون وداسوا عليهم واستعملهم كبيادق. أليس هو البلد الذي احتضن ملايين اللاجئين من دول الجوار! أليس هو من تقاسم معهم خيراته رغم شحّها!
لا أفهم هذا المرض الذي أصاب المؤدلجين – الذين يمتلكون الحقيقة المطلقة - الذين قادونا من خمسين عام من هزيمة إلى أخرى، لا أفهم اصرارهم على تحويل الأردن إلى شماعة تعلق عليه خطايا المتخاذلين والفاشلين، هؤلاء الذين أثقلوا الأمة بخيباتهم وسوء إدارتهم.
الملفت للنظر أن المؤدلجين الذين يستسهلون تخوين الأردن ويروق لهم تقديم الأردن ككبش فداء يتغافلون عن حقيقة أن الأردن هو آخر قلاع الاستقرار، أو غرناطة العرب، فإذا لا سمح الله سقط هذا الحصن سيكونون في مهب الريح؛ لكن من جانب آخر، كم من مرة أثبت الأردنيون أنهم لا ينحنون أمام عواصف التشكيك والنكران؟ سيبقى الأردن، رغم القهر، درع الأمة وسند المظلومين، ولن تثنيهم تلك الأيدي المرتعشة عن مواصلة دورهم التاريخي.
تجاهلوا الأردن إن شئتم؛ لكن تذكّروا أن شجرة الكرم التي تفيأتم ظلالها يومًا ما لن تُسقطها ألسنة الحاقدين. الأردن كان وسيبقى الوطن الذي لا يبيع مبادئه، ولا يُقايض على كرامته. فقد جاءكم الرد الملجم من شعبنا، نشامى الوطن! ألم تقنعكم مشاهد التفاف الأردنيون حول العلم وحول الدولة وحول قيادته، نعم عاد الملك عبدالله الثاني إلى شعبه كالنهر الذي يحمل فيض الكرامة، رافضًا أن تُقتلع جذور فلسطين من أرضها. استقبله الأردنيون كمن يستقبل الغيث في عام جدب، مرددين أن صوت الحق لا ينحني ولا يساوم ولن يضعفه ابطال التخادم والتخاذل .