أراد الرئيس ترامب في مؤتمره الصحفي العابر أن يحرج الملك عبد الله الثاني قبل أن يبدأ لقاءهما السياسي المغلق، وأن يفرض عليه وفق سياسة القوة ما يمكن أن يمليه لاحقا حول تهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر، بحجج واهية مؤداها تفريغ غزة من إنسانها، والاستيلاء على أرضها، وبالتالي فالذي عجزت إسرائيل عن تحقيقه بكل قوتها ودعم الغرب لها، تؤديه الولايات المتحدة بوصفها مستعمرا جديدا بقفازها الأبيض.
لكن خطته لم تنجح، وإن ولغ في ذلك بعض المغرضين إعلاميا، حيث أبدى الملك عبد الله بكل سياسة وأدب دبلوماسي تحفظه على ما طرحه ترامب، مشيرا إلى أهمية أن تعيش المنطقة حالة كبيرة من الاستقرار، وأن تدعم أمريكا مشروع السلام العادل، موضحا بأن هناك موقفا عربيا موحدا إزاء ما يتم طرحه، ومشيرا إلى سمو الأمير محمد بن سلمان باسمه وشخصه في حواره، وكأني به أراد أن يعدل دفة الطاولة بذكر أهم قوة استقطاب في الشرق الأوسط وهي السعودية بقيادة ولي العهد ورئيس مجلس وزرائها الأمير محمد بن سلمان. وقد كان.
أراد الرئيس الأمريكي ترامب أن يمارس استراتيجيته في حلبة المصارعة فكان موقف الملك الدبلوماسي المحنك والثابت، ثم أتاه الجواب الأقوى والصارخ من الشعب الأردني بأكمله، الذي خرج بكل أطيافه وكل فئاته غير مبال برداءة الطقس، ليستقبل الملك استقبالا شعبيا كبيرا، بطيب خاطر، ودون تحفيز من أحد، وكأنهم أرادوا أن يوصلوا رسالة صريحة للمستعمر الجديد بأن الأردن خط أحمر، وأن تغيير القواعد الاستراتيجية في المنطقة لعب بالنار، وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه جريمة كبرى، إذ بدل أن يحصل الفلسطيني على حقه الإنساني والقانوني في تقرير مصيره، واستعادة حقوقه السياسية والمدنية، ورفع جور الاحتلال الإسرائيلي عن كاهله، يأتي المستعمر الأمريكي الغربي الجديد ليحتل ما عجزت إسرائيل عن احتلاله، من بعد تبريره لكل جرائم الإبادة التي ارتكبها.
خرج الأردن برجاله ونسائه، شبابه وكهوله، ليؤكد رسالة التأسيس الأولى للملكة الأردنية والتي تمت على يد الملك عبد الله الأول قبل مائة عام، وليقول لحفيده الملك عبد الله الثاني نحن معك، وفي يدك؛ كما أراد أن يوصل رسالة واضحة للمستعمر الجديد مفادها بأن ذاكرة الشعوب وقناعتها وإرادتها لا تتغير، ولدولة إسرائيل بأن الاستقرار والأمان لا يتأتى إلا بالسلام العادل، على أنها أيضا موجهة لكل ذلك الإعلام المغرض الذي سقط في خطيئته، وأراد أن يثير الفتنة بمختلف السبل.
أخيرا، فما قاله الأردنيون يتفق جملة وتفصيلا مع ما يريد قوله السعوديون والمصريون وباقي العرب والمسلمين، ونحن في المملكة العربية السعودية نؤمن بقيادتنا القوية، الرشيدة في حكمها وإدارتها، والتي تنطلق في سياستها من قيمة تحقيق العدل والاستقرار المعززان لأي تنمية وإعمار؛ وهو ما يعمل لتحقيقه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، الذي بإرادته وعزمه وحزمه بات قائدا مركزيا في إقليم الشرق الأوسط، محبا للسلام العادل، وهادفا برؤيته إلى تحقيق الازدهار في الإقليم بأكمله وفق خطط إجرائية واضحة، تبتدأ بإقرار السلام العادل في المنطقة.