*
الاثنين: 20 يناير 2025
نسرين طافش ومتعب الصقار: تكريم يطغى على تهميش الثقافة الأردنية في زمن الأزمة
  • 2024-11-30- 17:35

في الآونة الأخيرة، كان الحديث عن تكريم فنانين وإعلاميين عرب من ضمنهم الفنانة نسرين طافش قد أثار تساؤلات جدية حول أولوياتنا في تقدير المبدعين. في وقت يتم فيه الاحتفاء بنجوم معروفين على مستوى العالم العربي، يُهمل المبدعون المحليون الذين قدموا وما زالوا يقدمون الكثير لفنهم ووطنهم. الأمر الذي يثير الغضب ليس فقط في حالة التكريمات التي تُمنح بغير حساب، ولكن في الواقع المأساوي الذي يعيشه الفنانون الأردنيون الذين يعانون من تهميش مستمر على مستوى الدعم والرعاية. هذا التهميش لا يتعلق فقط بفنانين فرديين، بل بمؤسسة ثقافية كاملة تُترك تائهة في غياهب الإهمال، بينما تظل الوزارات المعنية بعيدة عن هذه المسؤولية، وكأن الفن ليس له مكانة حقيقية في الاستراتيجيات الوطنية.

 

منذ سنوات طويلة، وبرغم الدور المحوري الذي يفترض أن تلعبه وزارتي الإعلام والثقافة في الحفاظ على الهوية الثقافية والفنية للأردن، نجد أن هناك قصورًا مستمرًا في دعم الفنانين المحليين، وفي عدم القدرة على تفعيل هذه الوزارات بالشكل الذي يعزز مكانة الأردن الثقافية. في وقت يعترف فيه العالم بأهمية الفن كأداة استراتيجية لا تقل تأثيرًا عن السياسة، نجد أن وزارتي الإعلام والثقافة تتجاهلان هذه الحقيقة، وتتركان الفن والفنانين الأردنيين عرضة للإهمال. بينما تركز السياسات الرسمية على تنظيم مؤتمرات وفعاليات سطحية، تُسهم في رفع صور الأفراد وتعزيز مصالح القطاع الخاص على حساب القضايا الثقافية الوطنية. أحد الأمثلة على ذلك هو المؤتمر الأخير الذي تم تنظيمه برعاية رسمية، ولكن من خلال شركة خاصة في القطاع الخاص، وهو ما يعكس خللاً في الأولويات الرسمية في ظل الظروف السياسية المعقدة في المنطقة. فالرعاية الرسمية لمثل هذه الفعاليات في ظل المشهد الإقليمي والمحلي المضطرب قد تكون خطوة غير موفقة، لأنها تعكس اهتمامًا في توجيه الدعم نحو أجندات تجارية بعيدًا عن المصلحة الثقافية الحقيقية التي تحتاجها البلاد في هذا الوقت الحساس.

 

إن الفن ليس مجرد نشاط ترفيهي أو هامشي، بل هو أداة حيوية لبناء الهوية الوطنية، ولإيصال رسائلنا إلى العالم بأسره. فالفن هو القوة الناعمة التي تبرز الصورة الحقيقية للأمة على الساحة الدولية، وتعزز من مكانتها السياسية والاقتصادية. لكن في الوقت الذي يُعتبر فيه الفن عاملًا أساسيًا في رسم خارطة القوة الناعمة للعالم، يظل الفنان الأردني معزولًا عن أي دعم حقيقي، محاصرًا بين قلة الفرص ورؤية حكومية لا تعترف بقيمة الفن في بناء وطن قادر على التنافس والظهور في الساحة الإقليمية والدولية.

 

تذكرت متعب الصقار، ذلك الصوت الأردني الذي عانق أوجاع الوطن بأغانيه، وصوته الحنون الذي كان يشبه القمح والأرض، تلك الأنغام التي تروي قصص الفقر والحب، وتُحيي ذاكرة الأرض الأردنية. في نهاية حياته، كان وحيدًا، يُصارع المرض والفقر والموت، دون أن يجد الدعم الكافي من وطنه. حتى صوته الذي طالما ردد “وبتسأليني يا بلد”، لم يلقَ من المسؤولين ما يستحقه من تقدير. إن تجاهل متعب مثلًا وتهميشه في وقت كان فيه بحاجة ماسة للرعاية يعكس فجوة عميقة في العلاقة بين الفن والوطن.

الكاتب: محمد صبيح الزواهرة

مواضيع قد تعجبك