*
الاثنين: 20 يناير 2025
ما الذي سنقدّمه للشارع؟!
  • 2025-01-20- 09:53

تقوم الدبلوماسية الأردنية بدورٍ فاعل ومهم في مواجهة التحولات الاستراتيجية الكبرى التي تمور بها المنطقة حولنا، على جميع الجبهات، فمن الواضح أنّ هنالك «لعبة إقليمية» جديدة يجري الصراع والتنافس لبنائها بين العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، والكل يعمل على «صياغة أوراقه» للمرحلة القادمة بانتظار المتغير المهم القادم؛ سياسة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، والاتجاهات التي ستسير فيها، فيما يتعلّق بالموقف من إيران والعراق وسورية والقضية الفلسطينية.

هنالك تحالفات جديدة تتشكّل وأخرى تتلاشى ومحاور تظهر للعلن، وأعدقاء يتشاركون مصالح استراتيجية هنا وهناك ويتصارعون على مصالح أخرى، واللاعبون يتموضعون إما في صورة قوى إقليمية تجلس على الطاولة في الملفات الكبرى، أو يقومون بدور الوسيط أو الحليف الأصغر أو المدافع الشرس عن وضع قائم أو آخر سيتشكل، وفي ضوء ذلك كلّه علينا – أردنيّاً- أن نقرأ المشهد الإقليمي جيداً ونؤطر مفهوم «الدور» وحدوده وحجمه المطلوب، في ضوء إعادة تعريف للمصالح الاستراتيجية ومصادر التهديد والتحدي، والعلاقة مع الأطراف الإقليمية والدولية.

أمّا داخلياً، فقد حصلت حكومة د. جعفر حسّان على ثقة مجلس النواب، وأقرّ المجلس موازنة العام 2025، وحصلت على ثقة – موازية- مقبولة من قبل الرأي العام وقادته (وفقاً لاستطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية)، ومن الواضح أنّ الحكومة ربطت هويتها بتنفيذ خطط الإصلاح الثلاث الرئيسية؛ التحديث السياسي، الرؤية الاقتصادية والإصلاح الإداري، وبينما يمضي مسار التحديث ضمن الخط المرسوم له، قانونياً وسياسياً، مع تعثّر منطقي وواقعي لطبيعة تجربة الانتقال الديمقراطي، فإنّ الرئيس حسّان قام بمراجعة الخطة التنفيذية للتحديث الاقتصادي جديدة، تقوم على برنامج عمل مرتبط بمؤشرات أداء وأهداف إجرائية، ضمن مخطط يقوم على تنفيذ مشروعات تنموية كبيرة، مرتبطة بالناقل البحري وبسكة حديد العقبة- معان، ومشروعات أخرى يجري الإعلان عنها تباعاً..

تبدو المسارات الداخلية والخارجية السابقة ضمن مسارات متوازية ومتكاملة، لكنّها تتطلب تأطيراً للمشهد كاملاً، أن توضع معاً ضمن صورة كليّة استراتيجية، تضع معالم هوية واضحة ضمن مفاهيم الأمن القومي والمصالح الوطنية والاستراتيجية، والأولويات الاقتصادية والتنموية والخدماتية، حتى يقرأ الجميع ضمن الكتاب نفسه، وهذا وذاك يتطلب عقلاً استراتيجياً فكرياً وثقافياً يبني سرديتنا للحظة الراهنة والمرحلة القادمة؛ كيف نعرّف التحديات الداخلية والخارجية؟ ما هي أهدافنا الرئيسية؟ وما هي مصادر التهديد؟ وكيف من المخطط أن نتعامل معها؟

ربما يقول قائل: إنّ هذا التصوّر موجود ومرتبط بخطط التحديث الداخلية، وهذا صحيح مبدئياً، لكنّ من الضروري أن يتم ربط هذه الخطط الثلاث معاً، في صياغة وطنية استراتيجية، وأن تكون متكاملة مع الدبلوماسية الأردنية، بلغة واضحة للأردنيين، تجسّر الفجوة التاريخية بين ما تقوم به الحكومات من جهة وما يهتم به الشارع من جهةٍ أخرى، فليس من المعقول أن تبقى «معضلة الثلثين» قائمة، في العديد من الملفات الوطنية، فثلثا الأردنيين لا يشاركون في الانتخابات، وثلثا الأردنيين لا يعرفون عن خطط التحديث، وثلثاهم لم يعرفوا عن الزيارات الميدانية التي يقوم به رئيس الحكومة وفريقة منذ مئة يوم إلى المحافظات، مثل هذه «المعضلة الاتصالية» تكشف عن حجم الفجوات في بناء مفاهيم وطنية مشتركة في التعامل مع المرحلة واستحقاقاتها، داخلياً وخارجياً.

في المقابل ثمّة أسئلة مهمة مرتبطة بالمرحلة القادمة تتطلب هي الأخرى تفكيراً استراتيجياً وطنياً ودوراً أكبر للنخب ومراكز التفكير والتسويق الإعلامي، لأنّ الإجابة عن هذه الأسئلة في الإطار الاستراتيجي الوطني هي التي ستكون حجر الأساس لبناء جبهة داخلية صلبة توافقية قوية وردم الفجوات هنا وهناك، بما يرفد الرواية الوطنية التي من المفترض ان يروجّها الإعلام والسياسيون والمثقفون، لكن إذا كانت الإجابات غير واضحة حتى هذه اللحظة، فما الذي سنقدمه للشارع؟!

الكاتب: د محمد أبو رمان

مواضيع قد تعجبك