يواجه الأردن اليوم تحديات كبيرة في تعزيز المشاركة السياسية بين أبنائه، وخاصة بين أبناء العشائر، حيث يشهد شحاً في إقبالهم على الانتساب للأحزاب السياسية والاندماج في الحياة الحزبية. يعود هذا العزوف إلى مجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية والنفسية التي تسببت في ترسيخ قناعة لدى الشعب الأردني بأن الانتماء الحزبي قد يؤدي إلى التضييق على الشخص، ويحول دون قبوله في التجنيد العسكري أو الأمن العام او التوظيف بشكل عام. لفهم هذه الظاهرة بشكل أعمق، لا بد من تناول هذه العوامل وتحليلها، بالإضافة إلى البحث عن سبل لتجاوزها وإقناع الشارع الأردني بأن البلاد مقبلة على حياة حزبية حقيقية تتماشى مع رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين.
في البداية، يجب النظر إلى التاريخ السياسي للأردن لفهم جذور هذا التردد. شهدت المملكة منذ تأسيسها وحتى اليوم، فترات من التوتر بين الدولة والأحزاب السياسية. خلال عقود من الزمن، كانت هناك حالات متكررة من قمع النشاطات الحزبية وتضييق الخناق على الحريات السياسية، مما جعل الكثيرين يرون في الانخراط الحزبي مخاطرة قد تضر بمصالحهم الشخصية والعائلية. هذه التجارب التاريخية رسخت في ذهن المواطن الأردني أن الانتماء لحزب سياسي قد يكون مغامرة غير مضمونة النتائج.
علاوة على ذلك، تلعب البنية الاجتماعية العشائرية في الأردن دوراً محورياً في تشكيل المواقف السياسية. العشيرة تعتبر المؤسسة الاجتماعية الأساسية التي تضمن لأفرادها الحماية والدعم، وفي المقابل تتوقع الولاء المطلق. هذا الولاء العشائري غالباً ما يكون على حساب الولاء الحزبي، مما يؤدي إلى تفضيل الحلول العشائرية على الحلول الحزبية في معالجة القضايا الوطنية والمحلية. وبالتالي، يجد أبناء العشائر أنفسهم مترددين في الانخراط في الأحزاب السياسية التي قد تتعارض برامجها ومواقفها مع مصالح العشيرة وتقاليدها.
الخوف من التضييق والتمييز هو عامل آخر يسهم في عزوف الأردنيين عن الانخراط في الحياة الحزبية. يعتقد الكثيرون أن الانتماء الحزبي قد يؤثر سلباً على فرصهم في التجنيد العسكري أو الانضمام إلى الأجهزة الأمنية. هذا الاعتقاد يعزز من تردد الشباب في الانضمام إلى الأحزاب، حيث يرون أن حياتهم المهنية ومستقبلهم الوظيفي قد يتعرضان للخطر.
لتجاوز هذه التحديات وتحفيز أبناء العشائر والشباب الأردني على المشاركة الفعالة في الحياة الحزبية، يجب اتخاذ خطوات جادة لبناء الثقة بين المواطنين والأحزاب. على الأحزاب أن تعمل على بناء سمعتها وتعزيز مصداقيتها من خلال تبني برامج واقعية وملموسة تلبي احتياجات المواطنين وتعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية. كما يجب على الأحزاب أن تكون شفافة في تعاملها وتواصلها مع الجمهور، وأن تظهر التزاماً حقيقياً بالمصلحة الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تنظيم حملات توعية واسعة النطاق تستهدف الشباب والعشائر لتوضيح أهمية الانخراط في الحياة الحزبية وكيفية تأثير ذلك بشكل إيجابي على مستقبل البلاد. يجب أن تتضمن هذه الحملات شرحاً وافياً لرؤية جلالة الملك عبدالله وسمو ولي العهد الأمير الحسين، والتي تهدف إلى بناء نظام سياسي قوي ومتعدد الأطياف يسهم في تطوير الأردن.
أخيراً، يجب على الحكومة تقديم ضمانات قانونية واضحة تحمي حقوق الأفراد المنتمين للأحزاب السياسية، وتضمن عدم تعرضهم لأي شكل من أشكال التمييز أو التضييق في العمل الحكومي أو العسكري. هذه الضمانات يمكن أن تشمل تشريعات تمنع التمييز على أساس الانتماء الحزبي وتوفر بيئة آمنة ومشجعة للمشاركة السياسية.
في الختام، يمكن القول إن الأردن يمر بمرحلة حاسمة في مسيرته نحو تعزيز الديمقراطية والحياة الحزبية. ومن خلال تبني السياسات الصحيحة والتواصل الفعال مع المواطنين، يمكن تحقيق رؤية القيادة الأردنية في بناء نظام سياسي يعبر عن تطلعات الشعب ويعزز من مكانة الأردن على الساحة الإقليمية والدولية.
م. بشير الطراونة