*
الاثنين: 20 يناير 2025
تشيخوف الصحفي
  • 2024-11-18- 11:57

لطالما أظهرت إعجابي بالكاتب الروسي أنطوان تشيخوف  (1860-1904)، الذي عرف بأبو القصة القصيرة، واحد عمالقة الأدب الروسي، فرغم القيمة الأدبية  الكبيرة لأعمال تشيخوف، الذي عمل معظم حياته طبيباً، الا ان اعماله تحمل في خصائصها الكثير من مميزات الأعمال الصحفية بمفهومها الحديث المهني.

والمتعمق في أدب تشيخوف يلمس مدى واقعيته، وقدرته على رسم التفاصيل اليومية الاعتيادية في المجتمع الروسي وتحويلها على قصص تعكس في جوهرة - رغم بساطة أحداثها- ظواهر وقضايا اجتماعية عميقة، وهذا تماما ما يقوم به الصحفي وتحديدًا في فن القصة الخبرية (الفيتشر).

تشيخوف الأديب (الصحفي) الغارق في التفاصيل الواقعية التي لا تخضع لمنطق حتمية انتصار الحق أو وجوب رفع الظلم، او التوظيف لتقديم الوعظ الاجتماعي كما كان فعل العملاق ليو تولستوي، وإنما يرسم كثير من نهايات قصصه بأسلوب مفرط بالواقعية لدرجة خولوا بعضها من عناصر التشويق او الحسم.

واقعية تشيخوف لم تقتصر على الأحداث بل تعدتها الى شخصيات وابطال قصصه، حيث ان "تشيخوف" يصف الناس كما هم دون إدانتهم، فلم يقدم الفلاحين على أنهم بسطاء طيبون ولا حاقدون وأوغاد.

قدم لنا "تشيخوف" أبطال وشخصيات قصصه القادمين من قاع المجتمع الروسي حيث عاش هو طبيبا للفقراء المرضى الذين يكافحون مع مشاكلهم اليومية مثل الفقر، والإقصاء، والجوع. 

ومن الملفت في أدب تشيخوف ابتعاده على توظيف الأدب لخدمة الافكار السياسية في زمن كان مباحًا ان يوظف الأديب رواياته ومسرحياته لخدمة الأيدلوجية والفكر السياسي، كما فعل العملاق فيودور دوستويفسكي الذي لم يخفي اعتراضه على بعض الأفكار والفلسفات الغربية في أدبه، من هنا نستطيع القول ان تشيخوف كان محايدا وموضوعيا وهذه من اهم القيم المهنية الصحفية الحديثة.

نستطيع القول ان تشيخوف كان محايدا تقريبا اتجاه الافكار المتعلق بالدين والوطن الأخلاق والأعراف المجمعية الأرثدوكسية، حيث كان ببساطة ينظر إلى الواقع ويسجله كما يراه، ولم يكن يود تغيير العالم وفقا لمنظومة قيمية يؤمن بها.

تشيخوف أدرك أهمية الاختصار مبكراً في الكتابة، فكانت قصصه ورواياته ومسرحياته مختصر، حرصا منه على وقت القارئ، ليظهر مصطلح "بندقية تشيخوف " في أوساط نقاد الادبي الروسي، الذي يرمز إلى عدم ذكر أي شيء زائد (غير ضروري) في القصة.

برأيي ان قصص تشيخوف لا تمثل مجرد ادب يعكس لنا الظواهرة الاجتماعية وانما فلسفة بالتفكير نحتاجها تمكننا من إعادة رؤية القضايا والمشكلات من زواية واقعية وحيادية وإنسانية.

 

الكاتب: د. صدام المشاقبة

مواضيع قد تعجبك