تابعت بكل اهتمام المؤتمر الصحفي لمعالي وزير الصحة د. فراس هواري وهو يتحدث بحرقة صادقة عن فداحة مشكلة التدخين في الأردن، وانا وان كنت اختلف معه في الية معالجة الازمة، فانني لا اشكك في مصداقية الأرقام التي طرحها في مؤتمره الصحفي، ولا املك الا ان أوجه له التحية على صدق مشاعره وقلقه الصادق على الاتجاه الذي يذهب به الأردن اذا لم تتم معالجة كارثة التدخين في الأردن، لما تحمله هذه الآفة من تبعات مالية وصحية كارثية على الأردن وامنه الصحي والاقتصادي.
ورغم ذلك تذهب ادراج الرياح، الابحاث العلمية اللتي تتحدث عن امكانية استخدام البدائل الالكترونية وغيرها للاقلاع عن التدخين, ورغم الجهود التي بذلناها وبذلتها انا شخصيا خلال عملي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وصولا الى المملكة المتحدة، انا لا زلت غير قادر على التصديق بان الدراسات المبنية على الاثباتات العلمية evidence based studies ، يتم التعامل بها في الاردن من باب الترف العلمي ، والرفاهية البحثية.
ولذلك ومن باب اقامة الحجة، والاستمرار في النهج العلمي المثبت فانني اقدم بادناه قراءة لقرار الحكومة حول تعديل الضريبة الخاصة للسجائر التقليدية والسجائر الالكترونية بالإضافة الى مجموعه من الحقائق التي ارغب في سماع رد معالي وزير الصحة حولها ، من باب نقل المعرفة اولا ، ومن باب ان فداحة وباء التدخين في ظل هذه الاجراءات لا يمكن الا ان يزيد، ولن تستطيع هذه الاجراءات التي اكتفت بنمطية الطرح ورومانسية التصورات، ان تحرك قسوة المؤشر البياني الى اي مكان.
وحتى تكون المساحة هنا قابلة للاخذ والرد فانني ساطرح أسئلة أتمنى على معالي وزير الصحة، ومعالي وزير المالية ان يتكرما علينا بالاجابة عليها، ترقيما :
أولا : ما راي معالي وزير الصحة بالتجربة البريطانية في تخفيض عدد المدخنين في السنوات من 2013 وحتى 2024، وهل يمكن اعلامنا برايه في البحث الذي نشرته إدارة الصحة العامة في بريطانيا ( وزارة الصحة البريطانية) والذي يشير بما لا يدع مجالا للشك بان السجائر الالكترونية هي اقل ضررا من السجائر التقليدية بنسبة 90%-95% ،
ثانيا: ما راي معالي وزير المالية بان المملكة المتحدة لا تفرض اية ضريبة خاصة على السجائر الالكترونية بينما تفرض ضريبة باهظة على كل من التبغ والتبغ المسخن
ثالثا: كيف يعقل ان يهاجم وزير الصحة فكرة التدخين دفاعا عن قانون الضريبة الخاصة وتعديلاته، ويتجاهل تماما الحقيقة التالية :
• رفعت الحكومة الضريبة الخاصة على منتجات السجائر التقليدية ما قيمته 4.2 قرش اردني فقط لا غير وذلك من القيمة السابقة (0.570 فلس الى 0.612 فلس)، وان الحديث عن زيادة أسعار منتجات التبغ 10 قروش هو عبارة عن طموح لمتخذ القرار بان تستجيب الشركات العاملة لهذا التوجه، وانا اتمسك برايي هنا ان الحكومة لم ترفع سوي 4 قروش على أسعار منتجات السجائر فقط، واترك المجال هنا لمتخذ القرار بالرد واثبات خطا هذه النقطة بالتحديد
رابعا: كيف يعقل ان تتحول الحكومة الى مهاجمة التدخين دون التأكيد على ان منتجات السجائر هي الخطر الأكبر الذي يواجه المدخنين، وان الأولى هو إيجاد طريقة لجعل هذه المنتجات غير سهلة الحصول عليها من قبل القاصرين والأطفال، وانا صراحة لا اعلم شخصا سيمتنع عن التدخين لاجل 4 قروش قيمة الزيادة التي فرضتها الحكومة على الضريبة الخاصة، او الطموح المشروع لواضع الرقم بان تزيد الشركات ما قيمته 10 قروش على العلبة ، هذه الأرقام لا تلغي إمكانية الشراء ولا تؤثر على مبدا Affordability ، وان هذه الزيادة لا تعدو كونها مضحكة على اكثر تقدير ، وانا اجزم بان معالي وزير الصحة لم ينتبه الى هذا الخطا الفادح الذي غلّب مصالح الشركات ودعم بشكل غير مقصود عودة مدمني النيكوتين الى استخدام السجائر التقليدية
خامسا: هل من المعقول والعالم يتوجه الى تطبيق مبدا تقليل ضرر السجائر التقليدية Tobacco Harm reduction ويتجه الى إيجاد اية حلول لانتقال المدخنين الى وسائل اقل ضررا واهمها السجائر الالكترونية، ومغلفات النيكوتين ولاضقات النيكوتين، بان يتم الهجوم بهذه الطريقة على ضريبة هذه المنتجات ، وانا ارغب في سؤال معالي وزير الصحة سؤالا واضحا وصريحا:
• هل تعتقد – معاليكم- بان السجائر الالكترونية اكثر ضررا من السجائر التقليدية ام هي اقل ضرر؟ واذا كانت اكثر ضررا هل من الممكن تزويد العموم بالأبحاث الرسمية التي تشير الى ذلك
• هل تعتقد معاليكم بان مغلفات النيكوتين Nicotine Pouches تسبب سرطان اللثة او سرطان الرئة؟ واذا كان الجواب نعم فما هو السبب بان السويد قد حققت اقل نسبة من سرطان اللثة والرئة في كامل أوروبا علما بان استخدام منتجات توصيل النيكوتين واهمها مغلفات النيكوتين تشكل اكثر من 20 % من نسبة الاستهلاك في السويد
• هل تعتقدون معاليكم بان هذه البدائل تشكل بديلا اقل ضررا – وليس امنا بنسبة 100% - من السجائر التقليدية، وهل يمكن انكار دراسة وزارة الصحة البريطانية التي اثبتت بانها الطريقة الانجح للإقلاع عن التدخين مقارنه بالوسائل الأخرى
سادسا: هل من المعقول ان يصدر القرار بزيادة الضريبة الخاصة على منتجات السجائر الالكترونية بقيمة تتجاوز ال 500 % كالتالي :
• فرض قيمة دينار واحد على كل ملليتر من السائل الالكتروني مقابل ما معدله 0.14 قرش على كل ملليتر
• فرض قيمة 5 دنانير على كل ملليتر للأجهزة المحتوية على السائل مقابل ما معدله 0.50 قرش على كل ملليتر سابقا
• وبحسبة بسيطة فان السوائل الالكترونية التي كانت تباع بما قيمته 5 دنانير لكل 10 ملليتر تحولت بعد اصدار القرار الى سعر لا يقل عن 15 دينار ، والأجهزة التي تحتوي على 10 ملليتر تحولت بعد اصدار القرار من سعر 15 دينار الى 65 دينار بالحد الأدنى
• هل يعقل بعد هذا الهجوم الضريبي الكاسح ومحاولات المؤتمر الصحي تبرير هذه الزيادات ان نكتشف بانه ومقابل كل هذه الزيادات لم يتم زيادة اسعار المسبب الأول للسرطان في الأردن والعالم بأكثر من 4 قروش بحسب القرار المنشور في الجريدة الرسمية ؟؟؟؟
الخلاصة:
انا اجزم بان هذا القرار سيؤدي الى تحول مذهل نحو تدخين السجائر التقليدية وبشكل يفوق التوقعات، وانا اجزم بان هذا القرار قد جعل من السجائر التقليدية الخيار الأمثل والارخص والاسهل للمدخنين والقاصرين والبالغين والراغبين، كل على حد سواء، وبمظلة قانونية مدعومة بالزيادة الأخيرة والتي لن تكلف المدخن اكثر من 4 قروش قيمة الضريبة الخاصة، او 10 قروش بالحد الذي يطمح اليه متخذ القرار، وسيخلق هذا القرار بلا شك جيلا يتجه الى التدخين دونما حاجة الى البحث عن البديل الذي سيصبح غير قانونيا في اغلب الأحيان.
وانا اجزم كذلك بان هذا القرار سيؤدي الى ارتفاع نسب التهريب بشكل غير مسبوق في بنود السجائر الالكترونية، الامر الذي سيبطل المنطق الذي وضع القانون من اجله.
واذا رزقنا عمرا، فانني اطلب من الجميع ان يسجل هذا التاريخ وان نقارن ارقام المدخنين والمدمنين بعد 5 سنوات من اليوم، وانا اتحدى ان يكون هناك اية انجاز يذكر على جبهة مكافحة التدخين اذا ما استمر الانكار الرسمي لدور البدائل الالكترونية وغيرها في اقلاع المدخنين واستمرت القوانين داعمة لعودة المقلعين الى تدخين السجائر التقليدية- البديل الأمثل والارخص والاسهل بحسب القرارات الأخيرة.
4 قروش هي حصيلة كل الاستراتيجية الحكومية لمكافحة التدخين، وتجريم استخدام البدائل والقضاء على الشركات القانونية العاملة فيها وانكار دورها الذي اعترف به العالم اجمع، وانا أؤكد ان السجائر الالكترونية وان كانت ليست امنة بنسبة 100 % وما زالت هناك أبحاث عديدة مطلوبة للتاكد من نسبة امانها الا انها وبلا شك توفر بديلا اكثر امنا واقل ضررا من السجائر التقليدية، وللراغبين بالاثبات ارفق دراسة وزارة الصحة البريطانية بأدنى هذا المقال.
ان المدخن مدمن، وليس ذو خطيئة، وان الاستراتيجية التي تهدف الى التضييق على المدخنين وامطارهم بالمعلومات المتضاربة في المؤتمرات الصحفية لن يثنيهم عن ادمانهم الا توفر البديل المقبول الذي يرجى ان يكون اقل ضررا، وغير ذلك، فاننا نتحرك بناء على استراتيجية مبينة على غمامة من دخان السجائر.
***
مدير الاتصال والسياسة العامة / شركة آندز العالمية - المملكة المتحدة
خبير مؤسسي باليات تقليل ضرر التبغ وبدائل توصيل النيكوتين الالكترونية
خبير - السياسات الضريبية والتشريعات الفنية المتعلقة بمنتجات التبغ والسجائر الالكترونية
دبلوماسي اردني سابق و مدخن سابق