في دراسة معمقة ولافتة أصدرها مركز المعلومات والبحوث في مؤسسة الملك حسين بالتعاون مع المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، كشفت نتائج مقلقة حول تصورات ومشاركة الشباب الأردني في حقوق الإنسان. مركزة على قضايا حرية التعبير، والمساواة بين الجنسين، والاحتجاز دون محاكمة، والتعذيب، قدمت رؤية معمقة لمواقف الشباب والشابات ومدى معرفتهم وحماستهم للمشاركة في أنشطة حقوق الإنسان، الا انها اظهرت فجوات كبيرة في معرفتهم بالمؤسسات المعنية بهذه الحقوق.
بدت ملامح القلق واضحة خلال جلسة إطلاق الدراسة، حيث أظهرت النتائج نقص كبير في المعرفة والثقة بمؤسسات حقوق الإنسان مما يدق ناقوس الخطر. الدكتور أيمن الهلسا، مدير المؤسسة أوضح في بداية الاطلاق، بأن الفرق البحثية المؤهلة كانت حريصة على شرح المفاهيم والمصطلحات المستخدمة، مثل "الاعتقال الإداري"، الذي لم يكن واضحًا لغالبية المشاركين. ومع ذلك، أظهرت التوصيات أن الحاجة ملحة لتعزيز التثقيف بحقوق الإنسان وتطوير برامج فعّالة تستهدف الشباب بشكل آمن.
أظهرت النتائج أن 74% من الشباب لم يتمكنوا من تحديد اسم أي منظمة وطنية أو مدنية تعنى بحقوق الإنسان. هذه النسبة الكبيرة تعكس أزمة ثقة ومعرفة تستدعي تحركًا عاجلًا. وخلال جلسة إطلاق الدراسة، أكد د. أيمن الهلسا، مدير المركز، أن الفرق البحثية المؤهلة حرصت على شرح المصطلحات المستخدمة، مثل "الاعتقال الإداري"، الذي بدا غير مفهوم لكثير من المشاركين. ورغم هذه الجهود، تبقى الحاجة ملحة لتعزيز التثقيف بحقوق الإنسان عبر برامج مصممة خصيصًا تستهدف الشباب بشكل فعّال وآمن.
تفاوتات جغرافية واجتماعية أظهرتها الدراسة في مستويات الوعي والمشاركة بين المناطق الثلاث: الشمال، والوسط، والجنوب ( عينة الدراسة). ففي العاصمة عمان، ورغم ارتفاع مستويات المشاركة، أبدى الشباب شكوكًا كبيرة حول فعالية الأنشطة الحقوقية. أما في الشمال والجنوب، فكان الوعي أقل، اضافة الى ضعف القبول المجتمعي للأنشطة الحقوقية. وأوضحت الدراسة أن السياقات المحلية تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل تصورات الشباب، متأثرة بعوامل مثل الوصول إلى المعلومات والأعراف الاجتماعية وفرص المشاركة.
أمام هذه النتائج، تبرز الحاجة إلى مبادرة وطنية شاملة لاستعادة الثقة والعمل المشترك ما بين الشباب ومنظومة حقوق الإنسان. ومن هنا، يتطلب الأمر إعادة النظر في أساليب التواصل مع الشباب، وخلق مساحات آمنة وشاملة تمكنهم من المشاركة بحرية. علينا أيضا دراسة واقعنا بشكل متأن، فما هي نوعية المناهج التي جعلت من الشباب الجامعي ليس على دراية بالاحتياجات والواقع. وهم الفئة الأكثر قدرة على التغيير، ولكن ذلك لن يتحقق دون تعزيز ثقتهم بمؤسسات حقوق الإنسان وتوفير بيئة حاضنة لمشاركتهم الفعالة في بناء مستقبل أكثر عدلاً وشمولاً.
الدراسة قدمت مدخلات قيّمة وتوصيات واضحة لمؤسسات حقوق الإنسان حول كيفية تعزيز تأثيرها بين الشباب، لكن تتركنا ام تساؤل كبير: من سيعلق الجرس؟ هل ستتحرك الجهات المعنية وتأخذ خطوات جادة لمعالجة هذه الفجوات والتحديات التي كشفت عنها الدراسة وتطبيق حلول مقترحة؟ أم ستُترك النتائج في الأدراج كغيرها من الدراسات؟
إن الشباب هم الفئة الأكثر قدرة على التغيير، ولكن تمكينهم يتطلب بيئة حاضنة تعزز الثقة بمؤسسات حقوق الإنسان، وتحفز مشاركتهم في الحوار والنقاش والمشورة لبناء مستقبل أكثر عدلاً وشمولاً.