*
الاثنين: 20 يناير 2025
الحيرة القضائية 1/2
  • 2024-03-20- 02:46

إذا ذهب اهل  العرفان   لاعتبار الحيرة (مقاما )  ، فانها في العمل القضائي تمحيص و تنقيب،  يسعي لإزالة الالتباس ورفع الغموض وصولا إلى اليقين القانوني ، ذلك اليقين الذي ينبىء عن عناء القاضي وسعيه المخلص  ليكون الحكم عنوان الحقيقة .

فبين ازدحام  قوانين معدلة  و اخرى ملغاة  ، و بين المقصد الأسمى لمراد المشرع في اقامة   العدل وتحقيق مصالح المواطنين ، يُقلِّب  القاضي نظره في حيرة العارف ، كالغواص ، الذي ينشد الأعماق ،  ليصل إلى لب المسألة المعروضة عليه ،   وما تكريس الامن الاجتماعي ، و الاقتصادي إلا ثمرة لهذا الفكر المسترسل وفق ضوابط التشريع و محدداته .


 إن مغزى المقال ، إبراز مآلات  الحكم  القضائي في المجال ، الاجتماعي، او الاقتصادي  ، كما هو الشأن في المجال التعاقدي او الإدراي .

 فلا ينتهي حكم القاضي  إلى جلب مصلحة ، ينشأ عنها مفسدة اكبر ،
او يفضي إلى مشقة لا تجلب التيسير ، فتضيق واسعا  وتحجر شاسعا رحيبا .


وإن اندفاعي القانوني في اقتحام هذا  الشأن  الخطير اثرا    ، هو استكمال لسلسلة مقالات يجمعها نظر مقاصدي واحد وهي  ( محاكم الملك ، قاض فوق الخوف ، حالة العدالة في الأردن ، المحكمة الدستورية الامل المفقود والحلم المنشود ، من الذي يعيق الرؤية الملكية لتطوير القضاء ، نداء عبر السلطة الرابعة الى السلطة التشريعية ، من الذي يسعى لإعاقة الرؤى الملكية لتطوير القضاء ، 
،ابواب القصر لا تغلق ، العونة) 

اعود فاقول ، إن الخبرة الطويلة للقضاة   ، تنبه على الدوام ، إلى يقظة القضاء وضميره الحي (فالقضاء ضامن  )  .

ولئن كانت قاعدة  ( الامام ضامن )  فقهية في اصلها ، تعني ان الامام , يتحمل  عبء  الحفظ و الرعاية ، لمن يصلي خلفه ، و حَسْبُ من وراءه الاتباع ، و الاقتداء  ، فالمصلون  في عهدة إمامهم .

فان القضاء ايضا ضامن ، حفظ حقوق الرعية  وما تعدد درجات التقاضي وقواعد الاجراءات ، واستقلال القضاء في حكمة،  إلا غيض من فيض الضمانات التي تغرس في نفوس الرعية الطمأنينة لهذا الضمان القضائي في عدالة الاحكام .


وقد اردت بمقالتي على حلقتين ، ان أميط  اللثام، عن بعض الاحكام التي تحقق هذا المعنى ،في مآلاتها.
لينجلي جوهر العمل القضائي ودوره في استقرار الحياة الاجتماعية و البيئة الاقتصادية ، بعيدا عن متاهة من الإجراءات، الحكومية ، 
فيصيب الحكم القضائي ، كبد الحقيقة و يعالج مواطن الخلل بلا مواربة للأبواب  و أنصاف في الحلول .

 لن اقف على المقاصد الكبرى للحكم في جمل تقليدية  ، كالعدل اساس الملك ، و القضاء النزيه ، او الملاذ الأخير  ، فهذه العناوين ، إذا لم يرافقها عرض لأثرها  في مضامين الاحكام القضائية، تكون جملا تجميلية معزولة عن الواقع .

وحتى لا اثقل على القاريء سأتناول ،  في الحلقة الثانية بعون الله ،  تطبيقات قضائية لها أبلغ الاثر في تحقيق المقاصد الكبرى المشار اليها  ، 

كيف تعاملت الاحكام القضائية، مع حيثيات الدعوى؟  و صولا إلى الحلم القريب بتحقيق العدل عبر  الحِلْم والأناة ، 
ونأت بنفسها عن الشرر البعيد ، في حال التسرع  و العجلة .

، و للحكم بقية ، في أروع المباديء التي أرساها قضاؤنا الاردني ، يبتغي وجه الله ومصالح العباد في نظره البعيد ، وصبره الطويل ، وعمل دؤوب خالص ، مرضاةً لمولاه .

المحرر: المحامي عبد الكريم الكيلاني

مواضيع قد تعجبك