*
الاربعاء: 05 فبراير 2025
  • 04 فبراير 2025
  • 21:40
الإبداع والابتكار... ليسا إلهاما فقط!
الكاتب: د. علي أحمد الرحامنة

يمكن النظر إلى الإبداع بأنه، في جانب أساسي منه، نتاج لطريقة تفكير يدفعها الفضول، وهو في أحد أهمّ أشكاله يمثّل القدرة على توليد أفكار جديدة ذات قيمة، بينما كثيرا ما يتضمّن الابتكار تطبيقات عملية للأفكار المبدعة. ومن المتفق عليه أن الدوافع التي تحفّز حالات الإبداع والابتكار والتجديد غاية في التنوّع، من الرغبة في الإنجاز وتحدّي الأسئلة غير المجاب عنها، مرورا بحلّ المشكلات، ووصولا إلى حالات اكتشاف الجديد من رحم القديم. وكثيرا ما ترِد أمثلة "رؤية المألوف في غير المألوف، ورؤية غير المألوف في المألوف"، أو ما يُسمّى "السيناكتيكية" (وحدة وتآلف الأشتات) بكونها تعبّر عن خصوصية الفكر المبدِع والمبتكِر، فهو مختلف عن النمطية السائدة، وهذا ما يعطيه تفرّده، وندرته أيضا.

ومع أن المفهوم السائد للإبداع هو كونه نتاجا "لحالة" أشبه بالإلهام، وبأنه متّصل بفرد أكثر من كونه نتاج عمل جماعيّ، وفي هذا قدر من الصحة في العديد من الأحيان، إلاّ أن الإبداع والابتكار نتاج عمليات يمكن التدرّب على آليّاتها، وتطويرها، بمهارات تربوية-تعليمية، وبيئة أسرية واجتماعية حاضنة مشجّعة، وتوفير مساحات من الزمان والأدوات والمقدّرات المساندة، التي تستطيع توفير بيئة حاضنة لازدهار التفكير الإبداعي والابتكارات في شتى الميادين والمجالات. وقد أثبتت كثير من الحالات أن جمع عدد من التخصصات، في فرق إبداعية، يمكنها أن ترى الصورة الأكبر، وأن تصل بالفعل إلى حلول ما كان يمكن لفرد أن يصل إليها، دون أن يقلّل ذلك أبدا من دور الفرد المبدع.

ويمتدّ الإبداع ليتجلّى في مختلف مجالات الحياة، من الفنون والثقافة والأدب، مرورا بالعمليات الإنتاجية المختلفة، وصولا إلى جديد التطورات في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وثوراتها المدهشة. ومن هنا، لم تعد رعاية ممكِّنات الإبداع والابتكار ترفًا، بل أصبحت محورا من محاور النشاط "المعتاد" لدى العديد من المؤسسات الكبرى في العالم، كما فعلت "جوجل" مثلا، حين وفّرت 20% من الوقت لهذا المحور، وحقّقت نتائج مبهرة نتيجة لذلك، وتحمّلت في البداية موجات من التشكيك، وقبلت بالمغامرة، التي بدون نسبة معقولة منها، ما كان يمكن تحقيق الكثير من المنجزات، عبر تاريخ الإنسان الفرد، والجماعات الإنسانية.

وبهذا المعنى، وأمام التحولات الثورية العاصفة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما يقدّمه الذكاء الاصطناعي من تطبيقات وأدوات معرفية، فإن الخوض في مأسسة العمل على تطوير الإبداع والابتكار، في أوساط الأطفال والشباب خاصة، يصبح مهمة من الطراز الأول، وهي مهمة راقية وشاقّة، وتتطلّب توفير الكفاءات والموارد والوقت والجهد، والمطلوب منهم تحمّل ذلك موجودون في مختلف الأوساط والمؤسسات ومواقع التأثير أو صنع القرار، في الجهات الرسمية والخاصة، ومن الأسرة، مرورا بالمدرسة والجامعة، ووصولا إلى كلّ المعنيّين، أفرادا وجماعات ومؤسسات.

ولعلّ في انتظار أن يقوم "الآخرون" بالعمل على الإبداع والابتكار، بدلا منّا وعنّا، ما يسيء إلى قدرات أبناء وطننا، وهم الذين أثبتوا في العديد من مناطق العالم، قدرات متميّزة، ومشهود لها بما قدموه من إبداعات وابتكارات.

وفي نهاية المطاف، وعلى مستوى ملموس ومباشر، من المفترض أن نكون نحن، وليس غيرنا، الأعرف بواقعنا، والتحدّيات التي نواجهها، واستتباعًا، الأقدر على العمل الواعي للوصول إلى الممكن من الحلول، فيما يتّصل بخصوصيات واقعنا، إلى جانب عملنا على السير مع الرّكب البشريّ الساعي إلى الإبداع في مختلف مستوياته ومجالاته. وقد تكون هذه الساحة واحدة من الساحات التي تتقرّر على خوضها غمارها بنجاح، بعض المعالم الهامة لمستقبلنا، خاصة وأننا نعيش في عالم التنافسية التي لا ترحم!

مواضيع قد تعجبك