*
الاحد: 02 فبراير 2025
  • 02 فبراير 2025
  • 15:56
هل يحاكي الاقتصاد الاردني النموذج السنغافوري ؟
الكاتب: د محمد العزة

قد يظن البعض أن عنوان المقال جاء على صيغة سؤال استنكاري ، لكنه في حقيقة الأمر سؤال مشروع سبقه العديد من المقالات التي كتبتها بعناوين ناقشت مواضيع اعتقد انها أوجه شبه في الابعاد و الظروف مابين الدولتين من حيث نشأة التأسيس و توفر الموارد  الطبيعية و البشرية و كفاءة استغلالها و إدارتها ، فكان  الحديث عن ثنائية الحداثة والنهضة و مسارات  التحديث السياسي و الاقتصادي و الإداري و محاورها و اهدافها لأجل اختيار النموذج الاردني الذي يحقق الرفاه الاجتماعي و نتائجه و اثاره التي ينتظرها المواطن الأردني لتجاوز مرحلة الركود الاقتصادي الصعبة التي  مازالت تراوح مكانها و تعصف في المنطقة العربية و ترزح شعوبها تحت وطأتها ، واحدها الدولة الأردنية والسعي الدؤوب لانهائها و محاولة تحريك المياه الراكدة فيها و مازالت المحاولات مستمرة .
 في مراجعة سريعة للتجربة السنغافورية التي انطلقت بداياتها عام  1965 لتحكي قصة دولة فقيرة انفصلت عنها الدولة الغنية الام ماليزيا تاركة إياها تواجه مصيرها فريسة لبراثن الفقر و الجهل ، لكنها الروح الوطنية رفضت و انتفضت و أيقظت مارد التحدي  داخل قادتها وشعبها لتفجر طاقاتهم الكامنة في أعماق أبناءها و يقلد أعناقهم اعباء المسؤولية و الاعتماد على نفسهم في مقدمتهم رئيسها لي كوان يو لي الذي اتخذ اربع خطوات شكلت العناصر الرئيسية في صناعة المعجزة  السنغافورية الاقتصادية تمثلت :
1. ترسيخ وتوحيد الهوية الوطنية لدى الهويات الفرعية و تعزيز مكانة الرموز الوطنية لديها و دمجها تحت قومية واحدة و ترسيخ الاحترام لقيم ومفاهيم المواطنة الفاعلة و اشراكها في العملية الإنتاجية .2.  اختيار  الكفاءات و الكوادر المؤهلة لملء الشواغر في المواقع القيادية الحكومية في كافة المجالات وخاصة السياسية التي تمتلك سلطة القرار والنفوذ، حيث منحها رواتب و امتيازات عالية  تمكنها من أداء مهامها دون التفكير بالإساءة إلى المال العام أو استغلال المنصب العام ، ثم تفعيل أجهزة الدولة الرقابية و ادوات مكافحة الفساد.
3. تطبيق سيادة القانون عبر سن و تطبيق القوانين و الإجراءات المرتبطة بعقوبات صارمة تنظم و ترفع من مستوى  أداء المجتمع السلوكي .
4. تسهيل إجراءات و خطوات المعاملات التجارية و الاستثمار ، بالإضافة الى منح المستثمرين باقة تحفيزية من التسهيلات تشجع اقامة المشاريع و تحقيق الأرباح و تشغيل الايادي العاملة المحلية،الامر الذي سنغافورة تتفوق على ماليزيا بنسبة نمو بفارق يقارب 490% .
أردنيا وعلى المستوى المحلي في محاكاة هذه الخطوات ، و مقارنتها مع تلك التي اتخذها  الاردن بعد إطلاق مرحلة التحديث بمساراتها الثلاث السياسية و الاقتصادية و الإدارية التي جاءت استنادا لرؤية ملكية وما رافقها من تشكيل لجنة ملكية صدرت عنها توصيات بتدشين حقبة الحياة الحزبية البرامجية التي حددت  لها هدفا مستقبليا لتشكيل الحكومات الحزبية البرلمانية و انبعث منها عناوين عريضة أهمها الهوية الوطنية الأردنية الجامعة لتكون الدافع لإشراك جميع فئات المجتمع الأردني و على مختلف مستوياته السياسية و الشعبية  من شتى المشارب الفكرية والسياسة والاجتماعية.
 نتاج هندسة هذه الخطوات جاء إفراز برلمان و حكومة مرحلة التحديث لإكمال باقي مساراته الاقتصادية و الإدارية التي تحتاج إلى اتخاذ إجراءات جدية و مجدية حقيقية تهدف الى اعادة بناء قطاع عام رشيق ديناميكي الحركة متحرر من قيود البيرواقراطية المفرطة يشاركه قطاع خاص نشيط متنوع المجالات واسع الطيف في العلاقات قادر على جذب رأس المال وتوظيفه في استثمارات نوعية ، أيضا استقطاب الكفاءات و عكسها  على شكل مشاريع يتم إقرارها عن دراسة و تخطيط وحصاد معلومات هي مؤشرات قياس توفر مقومات نجاح هذه المشاريع و تلبي حاجة الدولة سواء على مستوى خلق فرص عمل لأوسع شريحة ممكنة من التخصصات و ايضا على مستوى  الاكتفاء في الإنتاج و تحقيق معدلات النمو و زيادة الدخل العام للخزينة و خفض نفقات الموازنة و التحول من الاتكالية إلى الإنتاجية، تجسد مبدأ التشاركية مابين القطاعين العام والخاص على نحو يلمس المواطن الأثر الإيجابي على القطاعات المكلف بإدارتها كل قطاع .
مقاربة الاستراتيجية الاقتصادية  للتجربة السنغافورية بخطواتها الأربعة في عام 1965 مع ما تم اتخاذه من خطوات اردنية عام 2022 يهدف إلى الدعوة إلى بناء اقتصاد اردني قوي متقدم يضيف لوصف المعجزة الأردنية السياسية بندالمعجزة الاقتصادية.
الموقع الجيوسياسي الهام للأردن نعمة و يغبط عليه وأحيانا كثيرة يحسد عليه وقد لا يحسد ، هذه الأهمية لها ثمن وتكلفة عالية تتمثل بحرمانه من امتيازات مستحقة لدولة تمتاز بهكذا موقع جيوسياسي يمتلك مقومات النهضة و الحداثة من حيث الكفاءات البشرية القادرة على الإنجاز و الموارد الطبيعية المتاحة و المصرح عنها .
لا نريد أن نجعل من الاردن دولة نفطية أو دولة تعتمد على مواردها الطبيعية و استخراجها مع أنه حق ، لكن يحق و يستحق الاردن  تطوير إمكانياته في مجالات الاقتصاد الخدماتي و المعرفي وتطوير شبكات النقل البري الإقليمية و الدولية البينية وغيره .
مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي ازدهار اقتصادي يحتاج إلى استقرار سياسي و أمني وهذا متوفر على صعيد المستوى الوطني المحلي الاردني ولكن على مستوى المحيط العربي والإقليمي غير متوفر ، ثم تأتي سياسات خارجية لفرض قرارات لها آثار سلبية على اقتصاديات دول المنطقة لحساب كيان واحد هذا مخالف للمنطق السياسي و الديبلوماسي المتعارف عليه داخل أجندات و بروتوكولات العلاقات الدولية التي تبنى وتقام على أساس المصالح المشتركة و الاحترام المتبادل لسيادة و استقلال و خصوصية شؤون الدول.
لكنه الاردن قيادة و وطنا وشعبا سيمضي قدما بكل ثقة نحو صناعة المعجزة الأردنية الاقتصادية.

مواضيع قد تعجبك