تخيل أن القتل لم يعد يعتمد على الرصاص أو المتفجرات، بل على شفرة مخفية في خلاياك، شفرة تحملها دون وعي منذ ولادتك، وتصبح هي السكين التي تنهي حياتك .!
نحن الآن في عصر تسير فيه التكنولوجيا جنباً إلى جنب مع الجينات حيث يمكن أن يتحول الحمض النووي الذي يميزك إلى أداة تُستخدم ضدك ؟
هذه ليست حبكة رواية خيال علمي، بل رؤية استشرافية لما يمكن أن يكون مستقبل الصراعات البشرية: (أسلحة جينية)أدوات تقتل بدقة مخيفة بناءً على الجينات، فتستهدف أفراداً أو شعوباً بكاملها بناءً على هويتهم البيولوجية.
الأسلحة الجينية فكرة تتحدى كل ما نعرفه عن الحرب والبشرية. في عالم أصبح فيه فك الشيفرة الجينية أمراً مألوفاً ، بدأنا نفهم أن داخل كل خلية في أجسادنا توجد بصمة فريدة تحمل تاريخنا، أمراضنا، وحتى ضعفنا. العلماء الذين يتسابقون لفهم الحمض النووي بهدف تحسين حياتنا يضعون، دون قصد، المفاتيح في أيدي من يمكن أن يستغل هذه المعرفة لخلق جحيم جديد.
التقدم في أدوات تعديل الجينات مثل تقنية CRISPR-Cas9 يفتح آفاقاً غير مسبوقة في الهندسة الجينية، لكنه أيضاً يُثير أسئلة أخلاقية مرعبة. ماذا لو استخدمت هذه الأدوات لتصميم فيروسات أو بكتيريا يمكنها استهداف جينات معينة؟ ماذا لو استطاعت دولة أو جهة فاعلة تحديد جينات تحملها جماعة معينة وجعلتها الهدف؟ الفيروس المصمم لهذا الغرض سيقتل بصمت ودقة، دون ترك أثر مباشر، ودون أن يثير الشبهات حول الجهة المسؤولة. إنه القتل الأنيق، القتل الذي يبدو كقدر لا كجريمة.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بالإمكانات التقنية. عندما تتحول الجينات إلى سلاح، فإننا نقترب من تقويض أعظم أسس الأخلاق البشرية: فكرة المساواة. إذا كانت الحرب التقليدية تُدمّر المدن والجيوش، فإن الحرب الجينية تمس جوهر الإنسان ذاته. نحن لسنا أمام صراع على الأرض أو الموارد، بل أمام صراع على حق الإنسان في الوجود، على تعريف من يستحق البقاء ومن يُقصى بقرار مبني على الشيفرة الوراثية.
في هذا السيناريو، تصبح الحدود الفاصلة بين الحياة والموت مجرد اختيار رقمي. بضغطة زر، يمكن تصميم فيروس يستهدف مجموعة عرقية معينة بناءً على سمات جينية مميزة. وتخيل الأسوأ: أن تُستخدم هذه الأسلحة لتبرير الإبادة الجماعية في عصر جديد من العنصرية العلمية. هنا، لن يكون القاتل جندياً يحمل بندقية، بل مختبراً يديره علماء يتلاعبون بالشيفرة الوراثية.
ولكن هناك جانب أكثر إثارة للرعب: إمكانية عدم السيطرة على هذا السلاح. الطبيعة لا تحب التمييز، وإذا تم إطلاق فيروس جيني مصمم ليستهدف مجموعة معينة، فمن يضمن ألا يتحور ويصبح قاتلاً للبشرية جمعاء؟ هذا هو خطر العبث بآليات الحياة الأساسية، خطر فتح باب الموت الذي لا يمكن إغلاقه مرة أخرى.
قد يبدو هذا السيناريو مستقبلياً جداً ، لكنه أقرب مما نظن ،في الوقت الحالي تُجمع بيانات جينية عن ملايين البشر عبر اختبارات الحمض النووي لأغراض طبية أو ترفيهية. الشركات التي تدير هذه الاختبارات تُخزن بيانات جينية هائلة، وقد يتم استغلال هذه المعلومات بطريقة مريبة. كلما زاد فهمنا للجينات، زادت احتمالية استخدام هذا الفهم لأغراض غير أخلاقية.
جينات الموت ليست خيالية، بل هي دعوة للتأمل في المستقبل الذي نبنيه الآن. كل تقنية نطورها تحمل معها إمكانية الخير والشر. القرار في أيدينا. نحن الذين سنحدد ما إذا كنا سنستخدم هذه القوة لصالح الإنسانية أم ضدها. الزمن يمضي، والعلم يتقدم. والسؤال الكبير الذي يواجهنا: هل نحن مستعدون لتحمل مسؤولية قوة بهذا الحجم؟
النهاية ليست حتمية. لكنها دعوة للتفكير في المسار الذي نتخذه. إذا كان الحمض النووي هو جوهر الحياة، فلنحترمه. دعونا نصنع عالماً يستخدم الجينات لبناء الجسور بين البشر، لا لتدميرهم.