*
الاثنين: 20 يناير 2025
خير وراء شر
  • 2024-12-24- 11:55

لطالما شغلت قضية وجود الشر في العالم عقول كثيرين، يتساءلون بسببها عن سبب سماح الله بوجود الشر، وعن سر تركه الظالمين يتسلّطون على المساكين، من تنكيل وتعذيب.

 

في الحقيقة، قضية وجود الشر في هذا العالم، لقت اهتمامًا واسعًا من الفلاسفة، ورجال الدين في اليهودية والنصرانية. وفي الإسلام عليها كلام طويل جميل شافٍ كاف، لعلماء أجابوا عنها خير جواب، منهم الإمام ابن القيم في كتابه شفاء العليل.

 

لكن الذي نريد طرحه في هذه العجالة، الإضاءة على بعض الخير العميم الكامن خلف شيء ظاهره شر، وهو تعذيب كفّار قريش للمستضعفين من المسلمين في بداية أمر الدعوة.

 

فقد قرأنا في كتب السيرة والتاريخ، أن الواحد منهم، كان يؤتى به فيُلقى على رمال مكة الحارة، ثم توضع فوق بطنه الصخرة العظيمة. ويُجرّ آخرعلى ظهره فوق الجم، ويُضرب ثالث حتى لا يكاد يعقل من شدة الوجع، ويُلفّ رابع بحصيرة ويُعلق فوق الدخان الأيام الطوال دون طعام أو شراب.

 

كل ذلك وغيره من أصناف العذاب التي تعرّض لها المستضعفون من المؤمنين في مكة، قد تطرح تساؤلات مثل: أين كان الله عنهم؟, لماذا لم يُنقذهم؟ أليسوعلى الحق والذين يُعذبونهم على الباطل، فلماذا يُسلّط الباطل على الحق؟.

 

وقائمة المنافع والخيرات من وراء هذا كثيرة، لكن الذي أُريد التركيز عليه، أن هؤلاء المؤمنين، لو كان إيمانهم بالله وحده ربًا وإلهًا، وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا إيمانَ مصلحة، لانهارعند أوّل شيء من التعذيب، ولما صبر صاحبه على كل هذا الألم من أجله. والمنافقون - مظهرو الإيمان ومبطنو ضده - يتساقطون عند أوّل شدة ولا يبقى منهم أحد، لأنهم حقيقة ما آمنوا طرفة عين.

 

وهؤلاء المعذّبون في مكة قرأنا عن ثباتهم الشيء العجيب، ورفضهم الارتداد عن دينهم جملة وتفصيلًا، مما يعني أنهم أصحاب إيمان صلب حقيقيّ لا يتزعزع، وأن إيمانهم صادق لا مصلحة دنيوية من ورائه، وهذا في حد ذاته خير عظيم. خيرٌ، لأننا علمنا نوعية الرجال والنساء المؤمنين الأوائل الذين قام على أكتافهم الدين، وخيرٌ، لأن كل من عاصرهم أو قرأ عنهم بعدهم، علم أن إيمانهم هو الإيمان بحق، ولا يستطيع أحد، لا من المستشرقين ولا من غيرهم، اختراع أسباب دنيوية نفعيّة تفسّرهذا الإيمان ابتداءّ، والثبات عليه ثانيًا، إلّا لأنه حق، وأن حامليه، رجال ونساء حقيقيون، استمدوا حقيقتهم من هذا الإيمان، كما ورد في قصة مثول أبي سفيان بين يدي هرقل، وسؤاله له أسئلة كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ودينه ومن اتبعه، وكان منها : هل يرتدُّ أحد منهم سخطة لدينه؟، فأجابه أبو سفيان:لا، فقال: وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب.

الكاتب: محمد مرقة

مواضيع قد تعجبك