*
الاثنين: 20 يناير 2025
الوطن البديل: المخاطر السياسية والوجودية على الأردن وسؤال الهوية الوطنية
  • 2024-12-21- 20:11

عودة ترامب: تداعيات عميقة على القضية الفلسطينية والأردن

مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، عادت السياسات الإقليمية التي أثارت جدلاً خلال فترته الأولى إلى الواجهة. من بين هذه السياسات، يظهر مشروع “الوطن البديل” الذي يستهدف توطين الفلسطينيين في الأردن بدلاً من تحقيق حق العودة. هذه السياسات ليست جديدة، لكنها اكتسبت زخماً سياسياً ودبلوماسياً مدعوماً من الإدارة الأمريكية السابقة، التي تبنت سياسات داعمة لإسرائيل وعززت أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف. مع عودة ترامب، تتزايد المخاوف من تفعيل هذه المشاريع التي تسعى إلى إعادة تشكيل الهوية الفلسطينية والأردنية على حساب حقوق الفلسطينيين والمصالح الوطنية للأردن.

التاريخ الفلسطيني والأردني: علاقة عضوية في الدفاع عن القضية

الأردن، باعتباره الدولة التي تحتضن أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، يعاني منذ عقود من التهديدات المتعلقة بالحقوق الفلسطينية. ما يجعل هذا الموضوع حساساً بشكل خاص هو العلاقة الوثيقة التي تربطه بالقضية الفلسطينية، والتي تجعله في مرمى كل محاولة لتصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين تحت مسميات متعددة مثل “الوطن البديل”. عودة ترامب تعني العودة إلى السياسات التي تُرسم بعيداً عن الفلسطينيين، وتعزز أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يواصل البحث عن حلول جديدة لتصفية القضية الفلسطينية.

تاريخياً، شكلت القضية الفلسطينية إحدى الركائز الأساسية للهوية الوطنية الأردنية، حيث كان للأردن دور محوري في الدفاع عن حق العودة، ورفض أي بدائل تُسهم في تقويض هذه الحقوق. كلما زادت الضغوط الدولية والإقليمية على القضية الفلسطينية، شعر الأردنيون، بمختلف مكوناتهم، بتهديد مباشر لهويتهم الوطنية. إذ تزايدت المخاوف من أن يتحول الأردن إلى ساحة للتسويات التي تُبعد الفلسطينيين عن حقوقهم التاريخية، مما يعزز الشعور بخطر إضعاف الهوية الوطنية الأردنية نفسها. وبالتالي، فإن تفعيل مشاريع مثل “الوطن البديل” يثير قلقاً بالغاً في أوساط الشعب الأردني، الذين يرون أن أي محاولة للمساس بالقضية الفلسطينية هي محاولة للمساس بالهوية الوطنية للأردن.

تغيرات الشرق الأوسط ودورها في تعقيد الوضع الأردني

المنطقة تمر بتغيرات جيوسياسية عميقة، حيث يزداد الدور الإسرائيلي في التأثير على السياسات العربية. الاتفاقات الإقليمية الأخيرة التي تمت برعاية دول معينة، والتي تسهم في تقويض القضية الفلسطينية، تُعتبر مؤشراً على تنامي النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. الأردن، الذي يتمسك بدوره التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، يجد نفسه اليوم في مواجهة تحديات متعددة تتطلب منه مواقف حازمة تجاه هذه التحديات.

هذه الاتفاقات والتعاون الأمني بين بعض الدول العربية وإسرائيل تعزز من الضغوط على الأردن، الذي يجد نفسه في وسط بيئة إقليمية معقدة، تؤثر على خياراته السياسية. فالأردن، الذي ظل منذ تأسيسه في قلب القضية الفلسطينية، يُدرك أن أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية تحت أي عنوان - سواء أكان “الوطن البديل” أو غيره - ستؤثر على هويته الوطنية وانتمائه العروبي والإسلامي. علاوة على ذلك، فإن التغيرات الجيوسياسية، خصوصاً في ظل التحالفات الإقليمية الجديدة، تخلق بيئة ملائمة لتنفيذ مشاريع “الوطن البديل”، التي تسعى إلى توطين الفلسطينيين داخل الأردن تحت ضغوط اقتصادية وسياسية. هذه التحولات تعقد من موقف الأردن، الذي يواجه ضغوطاً متعددة تجعل من الصعب الحفاظ على موقفه الرافض للمشاريع التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

المخاطر الديموغرافية والسياسية على المجتمع الأردني

إذا ما تم تنفيذ مشاريع “الوطن البديل”، فإن الأثر الديموغرافي والسياسي سيكون عميقاً على المجتمع الأردني. توطين أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين لن يؤثر فقط على التوازن السكاني والوظيفي، بل سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. سيُهدد استقرار الأردن في وقت يعاني فيه من ضغوط اقتصادية خانقة، حيث سيتزايد الضغط على الموارد والخدمات والبنية التحتية.

من جهة أخرى، المشروع سيزيد من حالة الانقسام السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الأردني. المخاوف من فقدان التوازن السياسي في الداخل، إلى جانب تهديد وحدة الدولة، قد تؤدي إلى بروز نزاعات داخلية وانقسامات قد تُضعف الثقة بين الدولة والمجتمع. الأردن، الذي يعتمد على التماسك الداخلي والهوية الوطنية الجامعة، قد يجد نفسه في وضع هش إذا لم يتمكن من مواجهة هذه التحديات بحزم.

الهوية الوطنية للأردن تُشكّل جزءاً من الأبعاد الكبرى للأمن القومي، فالتاريخ والسياسة الأردنية يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية. الشعور بالخطر من المشاريع التي تستهدف الحقوق الفلسطينية يُحيل الأردنيين إلى أسئلة وجودية حول هويتهم الوطنية. فعلى مدار عقود، كان الأردن حاضناً أساسياً للنكبة الفلسطينية، حيث كان الفلسطينيون جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي الأردني. وفي ظل تصاعد الضغوط السياسية الإقليمية، يزداد الخوف من أن يتعرض هذا النسيج للتمزق تحت ضغط مشاريع التوطين.

مطلوب من الأردن: موقف سياسي متماسك ودبلوماسية نشطة

من أجل التصدي لهذه التحديات، ينبغي على الأردن تبني سياسة خارجية تعتمد على الدبلوماسية الفاعلة، مع التركيز على تعزيز مواقف الحلفاء الإقليميين والدوليين. يجب على الأردن أن يسعى لتوحيد المواقف العربية والإسلامية في رفض مشروع الوطن البديل، وأن يظهر قدرة على الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، باعتبارهم جزءاً أصيلاً من القضية الأردنية والفلسطينية.

على مستوى داخلي، يجب تعزيز الوحدة الوطنية وحماية النسيج الاجتماعي من خلال سياسات تعزز من قيم المواطنة والمساواة بين المواطنين، سواء كانوا أردنيين أم فلسطينيين. كما يجب العمل على تقوية الاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية شاملة تحد من التبعية الخارجية وتقوي مناعة الأردن ضد الضغوط الدولية والإقليمية.

على النظام الأردني والشعب ضرورة الحفاظ على هذا التماسك، والتأكيد على أن الأردن ليس فقط شريكاً تاريخياً في القضية الفلسطينية، بل هو أيضاً حامي لاستقرار المنطقة وحقوق شعبه. العودة إلى موقف الأردن الرافض لأي شكل من أشكال التوطين، والتمسك بالدور الهاشمي في الوصاية على المقدسات في القدس، أمر بالغ الأهمية.

بالتالي، المرحلة القادمة تتطلب من الأردن أن يثبت قدرته على مواجهة التحديات المتزايدة، ويدافع عن سيادته ومصالحه الوطنية ونظامة السياسي الملكي، حفاظاً على استقراره ووحدته في وجه المخاطر الإقليمية المتصاعدة.

الكاتب: محمد صبيح الزواهرة

مواضيع قد تعجبك