تصادف اليوم الخميس الذكرى (53) لرجلٍ بهامة وطنية، يستذكرها ملايين من أبناء الشعب الاردني، فهو الشهيد وصفي التل، بشخصيته الوطنية الفذة، ومواقفة الاجتماعية والسياسية، وقدوة مجبولة من طين هذا البلد، وعاصمته «عمان» التي منحها الجهد والتضحية والنهضة لذلك اختار ان يكون منزله على أطرفها في «الكمالية» فكان ضريحه حاضناً لروحه الطيبة.
وهنا نرصد لقطات منوعة من مواقف وذكريات للشهيد التل في وسط البلد «عمان» وذلك مما ورد في كتاب «وصفي التل.. الملف رقم صفر»
مكتبة أمانة عمان
البداية من قامة وطنية أردنية عايشت الشهيد التل وكان ضمن كوكبة رجال الدولة في ذلك الزمن العظيم، معالي الشاعر الأستاذ حيدر محمود الذي قال لكاتب هذه السطور في سياق مقابلة صحفية معه نشرت في «الدستور» يوم 30 تشرين الثاني 2009 حيث قال: كان وصفي التل «وهو في غنى عن أية القاب» يقول لنا، ونحن في أول الشباب: إقرأوا كل شيء.. فإن ذلك رصيد متراكم، لا ينقص منه الزمن ابداً، ولا يمكن محوه، أو إزالته.. وهكذا فعلنا.. فما كان ممكناً لأحد منا، أن يشتري كل هذا الكم من الكتب القيمة، التي أتاحتها لنا الإذاعة «مجانا»، وشكلت لها لجنة من النخبة، لتضيف إليها يومياً كل ما هو جديد.. وثمة إضافة لا بد منها، وهي أن وصفي» كان وراء إنشاء مكتبة أمانة عمان في شارع الهاشمي وسط البلد، التي تعتبر الآن أضخم مكتباتنا على الإطلاق، ويقترب عدد العناوين التي تضمها من المليون عنوان، ولعل أمانة عمان تتنبه الى هذه النقطة فتطلق عليها اسم «مكتبة وصفي التل» تكريماً لذكراه.. ورحم الله «أخا عليا».. كما كان يـُحبّ ان يسمى..
حدث في المدرج الروماني
في المدرج الروماني، بمناسبة وطنية احتفالية، كان الطعام، مناسف أردنية قُدمت للرئيس وصفي التل ومن معه من وزراء وشخصيات عامة، طلب الشهيد التل من محافظ العاصمة سنتذاك استبدال طعامه «المناسف» بطعام العسكر، أي أن يتناول العسكر «المناسف»، وفيما يتناول «وصفي» ورفاقه من المسؤولين الوجبات الجاهزة، وقال وصفي التل للمحافظ: «أنا ما عندي تمييز، العسكر يحرسون الوطن، ويبذلون أقصى طاقاتهم من أجل حمايتنا، والسهر على راحتنا، وأمننا»
سد وادي صقرة
وورد ان تعليمات وصفي التل لمواجهة تدفق الأمطار، حيث كان لدى وصفي التل مشروع بناء سد مياه في وادي صقرة اسماه «خزان عمان» مكان جسر عبدون الحالي، وان يتم تحويل كل السيول ومسيل الأودية اليه، ولنا في سبيل الحوريات في شارع قريش وسط البلد، عبرة في السيطرة على مياه الأمطار فقد كان هذا السبيل عبارة عن سد مياه بل ومقسم مياه يمتص اندفاع المياه، ويعيد تسريبها الى سيل عمان، وهو اسمه «نهر عمان» الذي كان يصب في نهر يبوق «سيل الزرقاء حاليا» وتتجه المياه غربا لتصب في نهر الاردن، ومن سبيل الحوريات، كانت هناك فتحة لتسييل المياه الى ساحة المدرج الروماني، حين يكون هناك مهرجانات للزوارق وسباقات قوارب، وربما اندفاع المياه الى داخل المدرج الروماني جاء ليذكرنا بمجد تلك الايام، ولنعود الى تاريخ نمط العمران الذي دائما يكون في الأعالي وفي الأماكن الجرداء والصخرية والأرض الصلبة، وحتى نهاية القرن الثامن عشر فقد كان سيل عمان غزيرا ويشتهر بأسماكه الطيبة، وحوله غابات كثيفة تعيش فيها الأسود وغيرها، وفي عمان انتشرت طواحين السُكر، وفي «سيل عمان» كانت ايضا طواحين الحبوب، والساقيات والقناطر ومراسي المراكب الصغيرة..
شاهد من وسط البلد
العماني مجدي محمود الحمصي، مالك مطاحن الحمصي للبن والزعتر في شارع الرضا وسط البلد، يقول: في الستينيات شهدت عمان أزمات في نقل الركاب، وفي تلك الأثناء أمر رئيس الوزراء وصفي التل بجعل باصات وآليات الجيش العربي وباصات مؤسسة النقل العام تنقل العسكر والطلاب «مجانا»، وكان التل قد اعتاد على زيارة وسط البلد خاصة منطقة محيط المسجد الحسيني الكبير، والاستماع إلى مظالم الناس وتنفيذ المستطاع منها فورا، ولم يكن يرافقه سوى سائقه فقط..
غلاء فاحش.. والله!
المرحوم الاستاذ سليم المعاني قال: ان احد رجال الأمن المرافقين لوصفي التل خلال رئاسته للحكومة، كان قد قال عنه: كان يعرف كل من يعمل بمعيته، ويتفقد أحوالهم، وكان يعود كل يوم بعد الساعة الخامسة إلى مكتبه بالرئاسة لينجز عمله.. وذات يوم استدعى سائقه وطلب منه أن يحضر له 5 أزواج من الأحذية من عند محلات القبطي بشارع بسمان، فأحضر سائقه ما طلب.. ويقول: كنا حوله وهو يسألنا ما الأفضل ويقيس بالأحذية.. فاختار ثلاثة أزواج منها وسأل السائق: كم ثمن الزوج من الأحذية؟.. أجابه السائق: بثلاثة دنانير ونصف الدينار.. فاستكثر وصفي الثمن، واستهجن ذلك، وأخذ بالصفير قائلا: شو هالغلاء الفاحش!!.. ثم أنقد سائقه عشرة دنانير ونصف الدينار..
الفندق والشاعر والشهيد
مالك أقدم الفنادق في الأردن فندق الملك غازي، الواقع في شارع الملك فيصل الأول بوسط البلد، الحاج محمد مفلح الزعبي قال لكاتب هذه السطور، إن زبائن الفندق في حقب متعددة، كانوا من وجهاء البلد وأعيانها وشيوخ العشائر والشعراء والطلبة الذين أصبحوا فيما بعد، وزراء ورؤساء حكومات، حيث كان يقيم كزبون دائم في الفندق منذ عام 1940 الشاعر مصطفى وهبي التل «عرار»، وكان يزوره أبناؤه مريود و»وصفي» وسعيد في الفندق، لأخذ مصروفهم المدرسي، وكان «وصفي» يتسم بشخصية قيادية منذ طفولته.
الحلاق والعتبة الخضراء..
ومن وسط عمان الذي كان وصفي هائما بعشق المدينة وبساطتها، حيث تشير المعلومة التي كان قد رواها وأكدها المرحوم إدوار البوري «أبوبندلي» لـ»المؤلف»، بأن وصفي التل كان ينام في أحيان عديدة بفندق «العتبة الخضراء» مقابل فلافل فؤاد بوسط البلد وقد تغير اسم الفندق فيما بعد إلى فندق فينيسيا، وكان يملكه شخص يدعى «أبوأنطون»، وأشار البوري إلى أن التل وفي مرات قليلة كان يأتي إليه إلى الصالون المقابل للفندق، لحلاقة شعر رأسه على الطريقة الإنجليزية، كون حلاقه الأساسي هو المرحوم بندلي أبومهر من بيت لحم أصلا، وكان صالونه في وسط البلد ثم انتقل إلى فندق الأردن.
غداء في مطعم جبري
المرحوم حسن أبوعلي، مالك كشك الثقافة العربية، في شارع فيصل وسط البلد، والذي توفاه الله يوم الجمعة الموافق 25 آذار 2022 كتب في دفتره، قصة تشير إلى أن رئيس الوزراء وصفي التل، وسليم الشريف، ناشر صحيفة الجهاد، ومدير الإذاعة الأردنية الأستاذ صلاح أبوزيد، وفي عُرف متبع لديهم، كانوا يتناولون طعام الغداء كل يوم خميس في مطعم جبري شارع الملك حسين وسط البلد، حيث نبقى أنا وفتحي العوض وأحمد العتوم، ننتظرهم في موعد حضورهم للمطعم، من أجل أن نبيع «وصفي» نسخا من صحيفة النهار اللبنانية، والمحسوبة «آنذاك» على القوميين السوريين، وكان ناشر الصحيفة حينها غسان تويني، وثمن النسخة في ذلك الوقت قرشان ونصف القرش، وكان التل يعطي كل واحد منا دينارا، ويطلب من المطعم تقديم الغداء لنا على حسابه..
*المعلومات من «كتاب وصفي التل.. الملف رقم صفر» ويتوفر حصريا لدى كشك الثقافة العربية شارع فيصل دخلة البنك العربي وسط البلد تلفون 064611411 و0796566452 مع وجود خدمة التوصيل.
Kreshan35@yahoo.com