*
الاثنين: 20 يناير 2025
لماذا تنشأ المدن الجديدة
  • 2024-10-03- 14:17

تعرّف المنطقة الحضرية بأنها تلك المساحة الجغرافية المأهولة بالسكان بما لا يقل عن 2500 شخص وذات كثافة سكانية قدرها 5000 شخص بالميل المربع (2.6) كيلومتر مربع تقريباً، وتعتمد مساحتها على النشاطات الإقتصادية المرتبطة فيها، فبعض المدن أقرب منها إلى المدن العمالية التي تنشأ بالقرب من المصانع، وبعضها ريفية تنشأ بالقرب من المناطق الزراعية، وكثير منها خدمية لإعتمادها على التجارة والمركز السياسي كالعواصم. وقد طرح الكاتب أرثر سوليفان Arthur Sullivan في كتابه الإقتصاد الحضري السؤال الذي حير الكثيرين، لماذا تنشأ المدن. 


المدن تنشأ بسبب المنافع المتأتية من العيش بالمدينة والتي تعوض الكلف العالية للسكن ضمن بيئة مكتظة، وهذا معروف بثقافتنا بقول سيدنا علي رضي الله عنه "اطلبوا الرزق عند تزاحم الأقدام". كما أن المدن تنشأ لظروف الجغرافيا، كما نشأت فيلادلفيا ولاحقاً عمّان بفارق 1850 سنة بينها على ضفاف نهر عمّان. ومع التطور والتخصص ومع الإنتاج الكمي، إنتشرت مدن التجارة والإقتصاد التي تتمتع ببنية تحتية متطورة، وتقدم خدمات حكومية وثقافية وترفيهية تجعلها أكثر جاذبية للإستيطان كلما كبرت وتنوعت الخدمات التي تقدمها لقاطنيها. 


ومع نشوء الدول ككيانات سياسية مستقلة، تحاول إداراتها الموائمة بين مكان الإستيطان البشري وحجمه، وبالتالي مكان المدن وحجمها، وذلك لضمان الإنتشار على كامل رقعة الدولة، وخدمة النشاطات الإقتصادية المرتبطة بالمكان مثل الزراعة والتعدين والمواقع السياحية واللوجستية والحدودية. المدن تعزز التنافس وتؤدي بالتالي إلى تحسين الجودة وإنخفاض الأسعار، ولكنها ترفع من كلف العيش فيها لزيادة التنافس على السكن في بقعة جغرافية محددة. 


التوزيع المكاني للمناطق الحضرية بالأردن متمركز في عمّان ومحيطها الإقليمي الممتد شرقاً من الزرقاء فالرصيفة وغرباً صويلح والسلط، بما يشكل بقعة حضرية واضحة للعيان تعرف بالتمركز الحضري Agglomeration والذي إنفلت من عقاله في غياب التخطيط الإقليمي الذي همّش مراكز المحافظات وأصبحت هذه البقعة الحضرية تنمو دون ضوابط أو ما يعرف بالنطاق العمراني Urban Envelope الذي يحدد المساحات التي يجب ان لا تتجاوزها المدن حتى تعمل الدولة بشكل متناغم ضمن ما يسمى بالتنمية المتوازنة. 


وتقسّم المادة (20) من قانون الإدارة المحلية الأردني البلديات الى ثلاثة فئات، الأولى تشمل بلديات مراكز المحافظات وأي بلدية أخرى يزيد عدد سكانها على 200 ألف نسمة، والفئة الثانية تشمل بلديات مراكز الألوية والبلديات التي يزيد عدد سكانها على 50 ألف نسمة ولا يتجاوز مئتي ألف نسمة، والفئة الثالثة تشمل البلديات الأخرى من غير الفئتين الأولى والثانية. وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم حسب عدد السكان لا يفي بمتطلبات التخطيط الإقليمي الحصيف، فعدد سكان العقبة مثلاً يضعها ضمن الفئة الثانية، وهي مركز لمنطقة إقتصادية خاصة. وعليه، يجب إعادة النظر بالتخطيط الإقليمي وفقاً للموارد والموقع، لتنشأ مراكز نمو تربطها محاور تنمية. 


لقد أدى الإكتظاظ، والبعض يسميه الإنفجار السكاني بعمّان، الى الإزدحامات المرورية التي أصبحت تشكل عبئاً على الإقتصاد ومسبب رئيسي لتردي جودة الحياة فيها. وقد جاء ترتيب مدينة عمّان بالمراكز الأخيرة الصادر عن Global Liveability Ranking بالمرتبة 233 لسنة 2024، وبالمركز 135 من 141 مدينة حسب تصنيف IMD للمدن الذكية للعام 2023، وبائت المحاولات التي بذلتها الإدارات المتعاقبة لأمانة عمّان لإطلاق منظومة نقل عام فعال بالفشل، مما إستدعى التفكير بإنشاء مدن جديدة يتم فيها تلافي الأخطاء المرتكبة في عمّان وبحقها، مدن نموذجية ذكية، تراعي تقسيمها الى أحياء Neighborhoods مخدومة بفراغات عامة وحدائق ومراكز تجارية وصحية ودينية وترفيهية، ضمن نطاقات خدمة نموذجية. 


وبالمناسبة، ليست عمّان وحدها من تعاني من مشاكل في سوء التخطيط الحضري، وإنما غالبية المدن الأردنية، بإستثناء مدينة العقبة التي حظيت بماستربلان عرف بمخطط جنسلر، والذي جرى تحديثه قبل شهر تقريباً بمساعدة من جايكا اليابانية. 


وإنطلاقاً من هذا الواقع الحضري الغير منظم حتى لا نقول السيء، أدركت خطة التحديث السياسي والإقتصادي والإداري ضرورة فعل شيء ما لتغيير هذا الواقع، وخصّت عدة مبادرات بمحرك نوعية الحياة للتنمية الحضرية تشمل تطوير مفهوم "مدن المستقبل" حتى يسود هذا التحديث جميع المدن الأردنية، وليكون البدء بنموذج واحد، على أن تعمم التجربة لاحقاً لتشمل مراكز المحافظات، لتصبح لدينا الطفيلة الجديدة، والكرك الجديدة، وجرش وعجلون والسلط الجديدة، بما يرفع من جودة الحياة بهذه المناطق الحضرية ويعزز التنمية المستدامة المرتبطة بالمكان. 


وقد حث كتاب التكليف السامي الموجه لدولة رئيس الوزراء جعفر حسان  لمواصلة العمل والإعداد لمشروع المدينة الجديدة، هذا المشروع الذي طرح في العام 2017 وتأخر تنفيذه لسنوات. إن هذا التكليف يشكل تحدي كبير للحكومة في ظل الظروف المالية الصعبة التي تواجهها المالية العامة للدولة، وبإستطاعة الحكومة إستعجال الدراسات التي تعمل عليها دار الهندسة منذ سنوات، وعرض المشروع للناس للخروج من دائرة القلة المطلعين على تفاصيله، وتجهيز دعوة "عطاء لتطوير وتمويل وتنفيذ وإدارة وإستثمار وترويج وتشغيل المرحلة الأولى من المدينة الجديدة" وعرضها كفرصة إستثمارية دولية.  


إن مدى تجاوب المطورين الدوليين لدعوة العطاء هذه، سيشكل مقياس أداء لجودة التصاميم، ومعيار لمدى تجاوب الحكومة لمتطلبات المستثمرين دون التفريط بالسيادة الوطنية لأنها ستضع ما مساحته 340 كيلومتر مربع تقريباً تحت إدارة أجنبية أو محلية خارج سلطة البلديات، وبما لا يتعارض مع السيادة الوطنية متجنبين الوقوع في غبن كما جرى في إتفاقية الصخر الزيتي التي سيدفع المواطن ثمنهاً لسنوات قادمة.
 

المحرر: د. مراد الكلالده

مواضيع قد تعجبك