*
الاثنين: 20 يناير 2025
حديث الأربعاء - هدف (إمبولو) الوحيد
  • 2024-06-21- 13:50

في الوقتِ الضائعِ من مباراةِ سويسرا والمجر ضمن بطولةِ أممِ أوروبا لكرةِ القدمِ 2024، وصلت الكرةُ إلى اللاعبِ السويسري (بريل إمبولو) الذي راوغ ببراعةٍ الدفاعَ المجري وبالرغمِ من فقدانهِ لمَشَدِّ ركبته، إلا أنه حافظ على رباطةِ جأشه مُسَجِّلاً هدفاً رائعاً، هو الثالث لفريقهِ، قاضياً بذلك على أملِ المجر بالفوزِ أو حتى التعادل.

 

اللاعبُ السويسري (إمبولو) هو شابٌّ ذو سبعةٍ وعشرينَ عاماً من أصولٍ كاميرونية، هاجر مع والدتهِ إلى أوروبا وهو في الخامسةِ من عمرهِ، وحصل على الجنسيةِ السويسرية بعد وقتٍ قصيرٍ من بلوغهِ الثامنةَ عشرة.

 

المتابعُ لبطولةِ أممِ أوروبا يلاحظُ أن العديدَ من المنتخباتِ تعجُّ بلاعبينَ من أصولٍ غيرِ أوروبية. وتقلُّ تلك الأعدادُ كلما اتجهنا شرقاً ربما لضعفِ اقتصادياتِ تلكَ الدولِ وبالتالي قلةِ جاذبيتها للمهاجرين، أو ربما لوجودِ تياراتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ معاديةٍ للمهاجرين، يتصدرها الزعيمُ المجري (فيكتور أوربان)، الذي ربما كانت ستزيدُ فرصةُ فريقِ بلادهِ بالفوزِ والتأهلِ بوجودِ لاعبينَ من أمثالِ (إمبولو).

 

قضيةُ الهجرةِ والمهاجرينَ هي من أهمِّ القضايا التي تشغلُ الرأيَ العامَّ والسياسيينَ في الغرب. فتقفُ تلك البلادُ أمامَ خياراتٍ صعبةٍ من إغلاقِ حدودِها أمامَ المهاجرينَ للحفاظِ على هوياتها الوطنية، ولكن ذلك يقابله فقدانِ مصدرٍ مهمٍّ للعمالةِ الشابةِ التي تحتاجُ إليها اقتصادياتها للنموِّ والتقدم.

 

ونحن هنا في الأردن لسنا بعيدين عن تلك القضية، فقد كان الأردن عبر العصور موئلاً للعديد ممن لجأوا إليه طلباً للأمن والاستقرار. شاهدنا ذلك منذ قبل عهد الإمارة، من هجرة الشركس والشيشان إلى الأرمن والأكراد إلى الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، وأخيراً السوريين والليبيين واليمنيين.

 

ولكننا نشاهد اليوم هجرة معاكسة من شبابنا، حيث نرى فيديوهاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقد تقطعت بهم السبل في مطارات (لندن) وحدود (المكسيك). فالقلب يدمع لمشاهدة ما يحدث الآن، ولكنه يتولع ألماً لما حدث من سنوات من هجرة خيرة شبابنا إلى كافة أصقاع العالم. فجميعنا يعرف أكثر من "قتيبة"، وبالرغم من ألمنا إلا أننا نتفهم حاجتهم للهجرة والبحث عن فرصة عمل وحياة أفضل فشلنا جميعاً هنا في الأردن في توفيرها لهم.

 

بصراحة، أعتبر نفسي من المحظوظين الذين بقوا في الأردن، بالرغم من كل عوامل الجذب للهجرة. وبالرغم من سفري إلى عشرات البلدان حول العالم، إلا أن هناك شيئاً لا أعرفه يجذبني إلى عمان، وخصوصاً إلى جبل اللويبدة، حيث قضيت طفولتي وأحلى سنين العمر. فكل منزل ودكان وشجرة وحتى حاوية قمامة هناك لها في القلب والوجدان ذكرى.

 

ويذكرني أحد الأصدقاء أن مقياس النجاح غالباً ما يراه الناس المقربون منك وخصوصاً والديك. فجميل أن يكون المرء أفضل طبيب في ولاية ما في (أمريكا)، ولكن من الأجمل أن تكون طبيباً ناجحاً في عمان.

 

للمصادفة، وفي بطولة العالم الأخيرة لكرة القدم، سجل (إمبولو) هدف (سويسرا) الوحيد في مرمى منتخب بلده الأصلي (الكاميرون). وبعد تسديد الهدف، رفع يديه للأعلى باحترام، مغلقاً عينيه رافضاً الاحتفال. مدرب (الكاميرون)، (ريجوبيرت سونج)، علق بعد المباراة قائلاً: "نعم كنا نفضل أن يكون (إمبولو) بيننا، ولكننا مع ذلك ما زلنا فخورين به".

 

* هذه المقالة كتبت خصيصاً لجميع أصدقائي الشباب الذين بقوا معنا، والذين أعرف بالرغم من كل الصعوبات كيف يجاهدون ليل نهار لتحقيق ولو شيئاً بسيطاً من النجاح. وأقول لهم: تخيلوا فرحة (إمبولو) لو سجل الهدف لـ(الكاميرون) وليس لـ(سويسرا).

المحرر: أمجد تادرس

مواضيع قد تعجبك