كلما جاء شهر تشرين تأخذني الذاكرة لمشوار على البلد بعمان وتلك الحسبة الصغيرة المقابلة لأثار سبيل الحوريات كان وقتها الجو جميلاً تضبعت من السوق العديد من الفواكة من الموز أبو نملة إلى البرتقال ذو الرائحة النافذة والتفاح اللبناني بطعمة الرائع وشراء بلح " رطب " مصري مروراً بشراء الراحة الطازجة بجوز الهند والمستكا وبسكوت ماري تحضيراً للشتاء وفجاة قادتي رائحة خبز تتبعت الرائحة وأذ هي من مخبز يخبز خبز التنور الساخن الشهي وقفلت راجعاً بسيارتي مروراً بشوراع وسط البلد طلوعاً إلى الدوار الثالث حين هبت رياح غربية لتتساقط أوراق الشجرة والتي أرتدت حلة صفراء تتطرزت بقطرات مطر ، نزل المطر على زجاج سيارتي أشعلت المساحات وصرت أغني وأنشد بعد أن رجعت لطفولتي يارب تشتي تشتي وروح عند ستي تعملي كعكة أكلها وأنام وصبح جوعان ع راس السعدان نعم جاء الشتاء و بدأنا نودع عناقيد العنب ودموع التين الحساسة ونشعر ببرودة الجو معيداً ذكريات وحنين الماضي. نستقبله بروح المحبة والدفء صوبة بوراي وطنبر كاز ومرقة عدس وهبال طبخة ملفوف وتغير في الملابس وحتى الحلويات تتغير وتختبىء البوظة أو الأيمة كما كنا نسميها ويظهر مشروب السحلب وهالهريسة ولكن شهر تشرين يضيف رونقا لتلك الشهور خاصة بعد أن وضعت كاسيت لفيروز بالسيارة وخرجت عليا بأغنية ( بعدك على بالي يا زهر بتشرين يا دهب الغالي) نعم لون زهور التشرين اللامعة تساوي وزن أرطال من معدن الذهب الثمين.نتغزل بذلك الشهر وينشد الشعراء قصائد وداع على مسامع الحسون المغادر وكلهم أمل بأمطار الخير الوفيرة بعد أن ودعنا الصيف بمواعيدو السيارة تمشي الهوينا والمطر يزداد رونقاً يغسل الشوارع والأشجار والتي أصبحت تلمع لا أعلم مدى بهجتي باستقباله سوى أن ألحن مزمارا من موسيقى الحياةورائحة التربة بعد أول شتوة أنتظر تشرين بفارغ الصبر فهو بداية جديدة وتغير في الروتين حين تبدأ تشتم رائحة الصوف وتشاهد والدتك أو جدتك وقد أنجرت كنزة جميلة حمراء غنى لها جوزف عازار تسوى الدنيا يا كنزتي الحمراء ف اليوم ماطر.. يوم مفعم برائحة الشتاء وصوت المطر.. يوم يتهادى بين غيوم كثيفة تحجب ضوء الشمس وذكريات جياشة يخترق شعاع لحظاتها غربة نهار تائه في آخر عام يغادر مودعا.. تاركا أكواما من ذكريات جميلة لنتذكرها في أيام شتاء قادمة..
لم أستطع أن أقصر نفسي على الاستمتاع بالمطر من خلف زجاج سيارتي فأظنني مثل كثير من عشاق الشتاء لم أحب في صغري من الشتاء سوى هطول الثلج ولمة العيلة ورائحة التراب من اول شتوة وبيتنا المفروش بالسجاجيد والصوفة التي تزينت بمغزل صوف جميل .. والآن صرت أعشق الشتاء بكل تفاصيله.. بصباحه البارد.. بشمسه الخجولة التي تتدلل حياء في حضرته.. بمطره ببرده بثلجه.. بعتمة تسدل ستارها في منتصف النهار فتكسو الأرض وشاحا من حزن غريب.. بصوت الرياح تطرق النوافذ والأبواب.. بصوت دوري مختبئ في إحدى النوافذ.. بنار تتقد في “كانون” بقصص الجدات ومحرمتها الممتلئة جوز ولوز وفيصلية وبطم برائحة قالب كعك جلس على صوبة البواري لنتنشق رائحة الفانيلا وكذلك سلق الفول النابت والبليلا والشمندر وشوي الكستنا أحب الشتاء لأن الشتاء ربيع القلب وموطن الذكريات.. وما زالت فيروز تغني وأنا أردد معها.
بعدك على بالي
يا حلو يا مغرور
يا حبق ومنتور
على سطح العالي
مَرَق الصيف بْمَوَاعيدو
والهوى لَمْلَمْ عَنَاقِيدو
وما عرفنا خَبَرْ
عنّك يا قَمَرْ
ولا حدا لوّح لِنَا بإيدو