في البناء لا يمكن أن تقدم هيكلاً مانعاً دون أن تضع الأساس السليم، قد تُقيم البناء لكنه سينهار في أول هبة عاصفة أو هزة أرضية، أحيانا قد يصمد لكنه سيظل مليئا بالعيوب فلا تطيق السكن فيه ولا السكنى إليه وسيبدو معنى وجوده مثل غيابه.
حديث أهم لاعبي السياسة الحاليين في البلاد سمير الرفاعي عن المرحلة القادمة لم يكن سلبياً، بل صريحاً وفي مرحلة حساسة وقد يبدو متأخراً. الحديث الذي تناقله الكثير ليس لمضمونه فحسب، بل لطبيعة القائل وأصبح مدار نقاش ومرجعيةً للبعض في انطلاقهم نحو تفنيد حالة الوهم الحزبية التي نرى مظاهرها في هذه الأيام لا يمكن تجاوزه وحصره في جزئية الحديث عن الحزبية الأردنية الجديدة.
مشروع الملك كان مشروعاً مركباً، يسير في متوازيات سياسية واقتصادية وإدارية، ولا يمكن تحقيق أي مراد نافع إن لم يكن السير فيهم معا كاملاً مع معالجة المسببات لأزماتنا في المحاور الثلاث، المعالجة المبنية على حفظ العام من هوية، وإرث، ومال، ومستقبل.
وحديث الرفاعي لا يمكن اعتباره تعدياً على المشروع الذي هو عنوانه البارز، بل إشارة إلى خلل في الانطلاق وهذا سيبدو مستغربا من شخص مثل سمير الرفاعي لكنه فعل صحيح، لقد أنطلق التطبيق العملي لمشروع الملك بشكل خاطئ.
وكذا انطلاقة خاطئة هي البناء دون أساس، سنصل لعناوين مفرغة، حكومة برلمانية أو أحزاب برامجية أو ائتلافات تحكم، سنتحصل على كل تلك المسميات، لكن سيبقى الواقع الآني هو ذاته ولن تصمد تلك العناوين المُفرغة أمام هول القادم ونحن نرى أي ظرف إقليمي نحن فيه واي أزمة عالمية اقتصادية تتنامى.
تحدث الرفاعي بضرورة البناء التراكمي والانطلاق الى الجامعات، وهذا متفق عليه لكننا لم نتجرأ إلى الآن في الإجابة عن سؤال المشكلة:
لماذا وصلنا إلى هنا؟!! وفي كل المجالات.
لا ينكر أحد أننا كنا في حالة أفضل، ولإصلاح اللحظة لا بد من تحليل واقعي متجرد يبين أسباب وصولنا إلى ما نحن فيه وحاجتنا الضرورة لإصلاح المحاور الثلاث التي أطلقها الملك ودون إجابة هذا السؤال لا نستطيع أن نبني الغد المنتظر.
متى ما تشجعنا على طرح السؤال: لماذا وصلنا إلى هنا وتجردنا حين الإجابة نكون بدأنا البناء السليم وأشرنا الى مكامن الانطلاق وكيف نُصلح خراب السنين في وقت أقل.
في ظل المشاهد والأسماء والتراكيب الماثلة يبدو التفاؤل بالغد الأردني ضربا من خيال وهذا الواقع هو الترجمة التطبيقية لمخرجات الإصلاح وأن كانت نوايا الملك وأعضاء اللجان تريد ما هو افضل من ذلك لكننا الآن نتعامل مع الواقع الذي لا يبدو مختلفاً عما سبق وستبدو فكرة الحكومة البرلمانية وحكم الشعب فارغة وبلا معنى دام أنها لن تحمل التغيير.
علينا ألا نختزل صراحة الرفاعي لعكسها على بنيوية الأحزاب، بل هي قياس لانطلاقة مشروع إصلاح لا يمكن المراهنة على فشله في ظل محيط مشتعل وأطماع في استقرار الأردن والجمهوريون الأمريكيون يقتربون من العودة وعودتهم يجب أن يسبقها احتياطاتنا القائمة على مكنة الداخل الأردني وفي المحاور الثلاث.
هي رسالة لصاحب الصيحة دولة سمير الرفاعي، علينا أن نجيب السؤال:
لماذا وصلنا إلى هنا ؟!
عباس مرتضى النوايسة