*
السبت: 01 فبراير 2025
  • 17 ديسمبر 2024
  • 11:54
في الحرب، بين قانون ملزم ودعوى كاذبة
الكاتب: محمد مرقة

"اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا"، و"استوصوا بالأسرى خيرًا"، بهذا الوصايا الملزمة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يسيّر جيوشه للغزوات والسرايا، يضبط بها تصرفات جنوده في ميادين القتال، وعند الانتصار واستسلام الأعداء. وقد كان من بعده خليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوصي الجيوش قائلًا:" لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمآكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".

 

نعم نجد في القوانين الدولية، وفيما يُعرف بقوانين الحروب منها بعض تلك الوصايا، إلّا أننا لو تصفحّنا تاريخ حروب العالم وتحديدًا الحربين العالميتين، سنجد أنها كانت فقط حبرًا على ورق، بينما القوانين التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مطبّقة على أرض الواقع، ودراسة السيرة النبويّة والفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين تنبئنا بذلك. وهنا يبرز سؤال: لماذا كانت الأولى ملزمة مطبقة، والثانية مجرّد دعاوى ومثاليات؟

 

للإجابة على هذا السؤال ننطلق من قاعدة عامّة في حياة المسلمين، يمكننا اختزالها بكلمات يسيرة، وهي أن المسلم مُلزم بتطبيق ما أمره به دينه، ومخالفته المتعمدة لهذه الأوامر، تجعله تحت الوعيد الأخروي. وُيضاف إلى ذلك سبب آخر، وهو أن الجيوش الإسلامية كانت لا تخرج بهدف القتل ابتداءً، ولا يكون هو غايةً أصلًا، وليس في تاريخنا الإسلامي، وجود لما يمكن أن نسميه: (نهج الآخرين في الحروب: اقتل أكثر تنتصر أيًا كان المقتول).

 

ولو أردنا الاستفاضة في ذكر أمثلة كثيرة يتجلّى فيها هذا النهج لطال المقال جدًا، لكن يكفي ذكر ما حدث مثلًا في برلين بعد هزيمة الجيش النازي ودخولها من قبل السوفيات عام 1945، حيث تقدر أعداد المدنيين الذين قٌتلوا في تلك المعركة، بحوالي مائة ألف مدني حسب موقع غارديان، وعلى هذا المثال قس تعامل المنتصرين مع المدنيين في شتى الحروب في الغرب على مدى خمسمائة عام أو أكثر.

 

إن الخلاصة تكمن في أن الإنسان جُبل على الخير والشر، في الحرب وعند الانتصار تحديدًا، تصيبه نشوة تجعله طاغية متعطّشًا للدماء، لا تفزعه مناظر الأطفال والنساء قتلى هنا وهناك، و يلقي أطنان القنابل على رؤوس المدنيين الأبراء وكأنه يزيح الذباب عن وجهه، كما شاهدناه ونشاهده في الحرب على غزّة، ولا حلّ إلّا بضبطه بقانون إلهيّ مُلزم إلى أبعد حد، يتجّى واقعًا على الأرض بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند علمه في إحدى المعارك بأن امرآة قُتلت خطأً فقال متأسّفًا:"ما كان لهذه أن تُقتل".

مواضيع قد تعجبك