*
الاثنين: 20 يناير 2025
فوز الحركة الإسلامية . منحة ام مكرمة؟
  • 2024-09-12- 11:43

هنالك نخب تتلذذ بالتذاكي على عقل القراء فتحاول أن تفرض عليهم نوعا من الوصاية الفكرية والتحليلية عليهم موهمة إياهم بأن طرحهم (وأقصد هذه النخب) هي أمور مسلم بها وأنه لا بد لكل متابعيهم أن يسبحوا بحمد رأيهم وفكرهم وأن يتناقلوه كمسلمات بديهية لا نقاش فيها ، وفي ظني أن ذلك حجر على استعمال القارئ لعقله وخبرته ونظرته وقد اكتفى بتحليلات معلبة جاهزة متسرعة ليست بالضرورة أن تقف خلفها دائما النية الحسنة ...

هذه المقدمة أسوقها إليكم حين قرأت العديد من منشورات وتغريدات هذه النخب ملخصها أن فوز الحركة الإسلامية بربع مقاعد مجلس النواب ما هو إلا مكرمة قد سمح بنتائجها الملك ، وأنه لولا موافقته على عدم التدخل في النتائج لما وصلنا إلى هذه النتيجة ، وأن على الحركة الإسلامية أن ترد التحية بتحية وتلتقط الرسالة جيدا وأن لا تستعلي على الدولة ولا تناكفها حتى لا يفشل المجلس بدوره فيكون الحل هو خيار صاحب القرار في الدولة ، وبناء على هذا الطرح أضع أمامكم النقاط التالية :

أولا : لا يجوز أن يشار من قريب أو بعيد للملك فيما أفرزته نتائج الإنتخابات لأن هذا هو قرار الشعب الذي يحترمه الملك أيضا وليس قرار القصر ، وكلام النخب بأن الملك هو من وجه بعدم التدخل في النتائج وكأنني فهمت منه أن في الدورات الإنتخابية السابقة كان الملك يسمح بالتدخل بنتائجها وهذا اتهام مبطن لا يجوز ولا أقبل أن يلصق بالملك ، لأنه ملك لجميع الأردنيين يقف على مسافة واحدة من الجميع وهو فعلا كذلك ...

ثانيا : لو كانت هنالك توجهات فعلية بعدم التدخل في النتائج لما اشتغلت الماكنة الرسمية لمدة عامين سابقين في تفصيل قانون إنتخابي يحظى ببراءة اختراع أردنية ، ولا ولدت لنا أحزاب (سباعية) حكومية ، ولا تمت هندسة قوائم هذه الأحزاب ناهيك عن التضييقات على بعض المرشحين لثنيهم عن الترشح وقد وصل الأمر باعتقال بعضهم عبر سيف قانون الجرائم الإلكترونية ...

ثالثا : كلنا يعلم أن الجانب الرسمي في أغلب دولنا العربية حين تفشل خططه وتخرج النتائج عن سيطرته وتركيزه فإنه سرعان ما يتكيف (لفظيا) مع الحالة الجديدة ويسخر لها كل العبارات التي لا تخرجها من عباءته وسيطرته فيصبح هو صاحب الفضل فيها وأنه لولاهم لما كنا ولما حصل ما حصل ، وهذا من دهائهم السياسي الذي يحسب لهم فيستوعبوا الصدمة ويمتصوها ، وقد يكون ذلك نوعا من أخذ النفس لبرهة قبيل الإنقضاض على التجربة الديمقراطية عبر مناكفات قادمة قد يجري إعدادها على نار هادئة مستعينين بكتالوجات دول مجاورة لا قدر الله (مع فرق التشبيه) وهذا ما أستبعده (على الأقل حاليا) ...

رابعا : يقيني أن ما حصل مع الحركة الإسلامية من فوز كبير مرده وسببه هو معية الله وتوفيقه أولا وأخيرا ، وقد رد كيد المغرورين المستبدين ممن تعودوا إقصاء الآخر وما زالوا حتى هذه اللحظة في حالة صدمة وذهول ، والسبب الثاني لهذه النتائج هو وعي الشعب الأردني الحر الذي أثبت أنه على قدر المسؤولية وقد مل الخلطة الرسمية في أدق تفاصيل حياته وعاف شخوصها ومن يمثلها وقد انكشف له الغث من السمين محترما نفسه وتاريخه في لحظة صدق ووفاء لمسناها جميعا بعد السابع من أكتوبر ، أما السبب الثالث فهو منهجية وإدارة واجتهاد الحركة الإسلامية في طريقة تعاطيها مع هذا الإستحقاق الدستوري تخطيطا وتجهيزا وإعدادا رغم بعض الثغرات أحيانا لكن الكمال لله عز وجل ، فقد اجتهدوا بالمشاركة وأجهرهم على الله ، كما اجتهد غيرهم بالمقاطعة وأجره أيضا على الله لأن الأعمال بالنيات وأن لكل امرء ما نوى ...

خامسا : ما يحاول البعض تفسيره بأن إقرار النظام الرسمي لهذه النتائج ما هو إلا لإيصال رسائل للغرب ودول الجوار لا أعول عليه كثيرا لأن نظامنا السياسي قد أهدر عشرات الفرص لإيصال هكذا رسائل سواء قبل أو بعد السابع من أكتوبر ، حيث كان ولا يزال الكيان الص.هيو.ني يهددنا صباح مساء وقد تضاعف تهديده للأردن خاصة في العقد الأخير ولم يتعامل معه نظامنا الرسمي بما يناسب تهديداته ، فهل استيقظ نظامنا السياسي فجأة ووجد عليه لزاما أن يوصل رسائله للغرب ودول الجوار بعد أن فازت الحركة الإسلامية بهذه النتيجة دون أدنى توقع منه !!

سادسا : حاليا لن أقبل رواية وتحليلات هذه النخب حول سماح الجانب الرسمي بهذه النتائج إلا بعد انقضاء ثلاثة أرباع مدة عمر المجلس على الأقل ، فإذا سار عمله بطريقة طبيعية ومتعاونة ومتكافئة ومتكاملة وسلسة دون أي مناكفات مفصلية أو إقصاءات تفردية أو تمرير قوانين دون معرفته فمارس دوره المنشود والمأمول (مثل الدول التي تحترم إرادة شعبها وممثليه) يرافق ذلك أبوية حقيقية وصادقة من الدولة وسعيها في إنجاحه وعدم شيطنته وعدم افتعال حرائق جانبية تشغله عن دوره الدستوري الحقيقي ، حينها سأرفع القبعة لكل من تبنى رواية أن النظام الرسمي قد سمح بهذه النتيجة كي يوصل رسائله للغرب ، وإلى ذلك الحين سنبقى ننتظر ونراقب وننصح ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ...

سابعا : وختاما وعذرا عالإطالة ، لا أشك مطلقا أن الحركة الإسلامية وقيادتها تعي تماما حجم المسؤولية الجديدة الملقاة على عاتقها وتعي أيضا ما يتوجب عليها فعله وتعى تماما للأفخاخ التي قد توضع أمهامها لإسقاطها شعبيا قبل إسقاطها رسميا لا قدر الله ، وتعي تماما متى وكيف تنحني للعاصفة ومتى وكيف تقف سدا منيعا أمامها وفي النهاية التوفيق والسداد هو من الله عز وجل فهم بشر يخطئون ويصيبون ، فلا تحملوهم وزر تركة المجالس السابقة وكونوا منصفين في نقد أدائهم إذا ما دعت الحاجة ، وادعوا لهم دائما بالتوفيق والحكمة وسداد الرأي ، وتذكروا دائما أنهم يشكلون ربع المجلس فقط ، وأن ثلاث أرباع المجلس هي أحزاب حكومية ومستقلين ، بعضهم فعلا مستقل والبعض الآخر بنخ من أول (ألووو) ...

المحرر: سائد العظم

مواضيع قد تعجبك