اقمنا "دنيا الفن" في زمن الحرب والدم ، ولم نقعدها، ونحن ليس لدينا فن سوى التهريج والتطعيج، إلا من أغنية عمرها ٣٠ - ٤٠ سنة، وأزيد ، سرقها "مطرش" أو أعاد بعضاً منها بـ"تجعيرة" وتحريف للإسم والكلمة، متذرعاً بالتحديث، ليكون "المطرب الأول "!.
ورغم تعدد وسائل التكنولوجيا وتنوع أدواتها، إلا أن الأغنية الهابطة، ما تزال تفرض سطوتها، على شاشات التلفزة والإذاعات وتنقل بسهولة عبر وسائل الاتصال والإعلام الحديث، ومع كل هذا الدعم اللوجستي، لم تتعد الأغنية الأردنية، حدود الشاشة أو الأثير ، ومكان هذه الوسائل والساحة في أي حي من أحياء مدننا وقرانا.
ومن يشك في هذا التوصيف، فليستمع إلى أغانينا المجرورة والمكرورة والمجروشة في مناسبات أفراحنا، وكأننا في حالة حرب، مع أننا في مأتم ، حيث تشتعل النيران وتهب، وتقترب أكثر وأكثر.
ومع مصيبة ذلك، ما يزال الإعلام الحكومي والإعلام الخاص، يبرّران هذا الإفلاس بأنه نوع من الاعتزاز بـ "التراث الأردني"، فأين التجديد الفني العصري، الذي يكمل ما كان فناً راقياً في تراثنا التليد، وأين اللحظة الفنية التي ترفع معنوياتنا، حيث الزمار في حرب الدمار ؟!
قصة المناهج التي ثارت زوبعتها، جزء من مسيرة النهج الذي استهلك رصيد الدولة وجعل من مؤسساتنا الوطنية حديث المسؤول المطَمْئِن، وحديث المواطن الممزوج بالخوف والقلق على نفسه ومستقبل الوطن، في ما يحدث.
وعودة إلى هذه الزوبعة التي أثارها الرأي العام وقد تسلحوا بوسائل التواصل التكنولوجي، ليأخذوا منحى واسعاً في النقد والتندر والتهكم على وضع جزئية في المنهاج وتندرج في المادة الفنية، فإنني لا أظن أن دوافعها دينية كما يتصيد البعض ويزعم، ولا أظن أن وراءها عداء للفن، فنحن في الأردن، ولله الحمد، نطبّل لكل شيء-دقون الطبل يا نشامى دقوا-! حتى أننا عند تخرُّج طفل من روضة أو احتفال عائلة بمسنّ تخطى ٩٥ عاماً، فإننا ندعو له بمزيد العمر و إضاءة الشمعة المئة، لنزعج الجار والجوار، بالطبل.
ليتنا في الأردن نعمل على صناعة الفن بجميع اشكاله الموسيقية وغير الموسيقية، فن يبعد كل هذه الأجيال الناشئة عن ضجيج وتسحيج ما نسمع.. فن يكتشف الموهوبين ويمكّن هذه الأجيال بمهارات التميز والتفوق.. فن يبعد عنها الإسفاف وما نشاهده في بعض المظاهر من سلوكاتها وأشكالها وكلامها.
وإذا كان هناك من تصحيح للفن ، فالأصل أن يكون ضد أشكال الفن المبتذل في الأغنية والمسرح والمسلسل، فالفن لا اعتراض عليه، واكتفي شخصياً هنا أن أطرح مثالاً عن الأغنية أو الإنشاد ، والاستشهاد بما حققه الموسيقار المصري بليغ حمدي من إرث للعالم العربي والإسلامي، ما يزال بيننا، وقد لحّن للشيخ النقشبندي، الإبتهال الديني "مولاي إني ببابك"، مع أن هذا الفنان العبقري عاش حياته بعيداً في دنياه، بكل ما فيها من بذخ وسهر، وكذلك أغنية " أخي جاوز الظالمون المدى"، للأستاذ محمد عبدالوهاب.
فعلام "الدنيا قايمة والأغنية(المطلوبة) نايمة" عندنا، منذ عقود طويلة، ولم تر النور بعد؟!!