*
الاربعاء: 05 فبراير 2025
  • 05 فبراير 2025
  • 08:51
حنكة الرئيس في التعاطي مع الأسئلة النيابية
الكاتب: د. ليث كمال نصراوين

أصدر الديوان الخاص بتفسير القوانين قبل أيام قراره رقم (1) لسنة 2025 حول مدى جواز قيام عضو مجلس النواب بطلب ذكر أسماء أشخاص بعينهم أو طلب وثائق ومستندات في سؤاله النيابي الذي يوجهه إلى رئيس الوزراء والوزراء، حيث أعاد الديوان التأكيد على القرارات التفسيرية السابقة التي صدرت عنه، والتي حظرت فيها على النائب أن يذكر في سؤاله أسماء أشخاص معينين، أو أن يطلب من الوزراء وثائق أو مستندات محددة.

إن هذا القرار التفسيري الأخير الذي رسم ملامح السؤال النيابي قد جاء متوافقا مع طبيعته الرقابية كما حددتها المادة (123) من النظام الداخلي لمجلس النواب، بأنه مجرد استفهام العضو من رئيس الوزراء أو الوزراء عن أمر يجهله في شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم، أو رغبته في التحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو استعلامه عن نية الحكومة في أمر من الأمور.

بهذا يكون السؤال مجرد استفسار يقدمه النائب السائل إلى الحكومة أو أي من الوزراء فيها يتعلق بأمر من الأمور العامة، بالتالي يفترض ألا يشمل طلب ذكر أسماء أشخاص بعينهم أو طلب وثائق ومستندات منه. فهذا الحق قد قررته المادة (67) من النظام الداخلي لمجلس النواب للجان النيابية، التي يجوز لها أن تطلب من أي وزير أو مسؤول تزويدها بالوثائق والمعلومات التي تتعلق بالموضوع مدار البحث والمعروض عليها.

ويبقى السؤال القانوني الأبرز حول المبررات التي دفعت الحكومة إلى الطلب من الديوان الخاص بتفسير القوانين إعادة رسم حدود السؤال النيابي، حيث اضطر أعضاء الديوان الخاص إلى الإشارة في قرارهم الصادر عنهم إلى أنه قد سبق للديوان أن قدم التفسير ذاته في مناسبتين اثنتين عامي 2009 و2015، وأنهم قد بادروا إلى إعادة تفسير النصوص القانونية المتعلقة بالسؤال النيابي مرة ثالثة في ضوء التعديل الأخير على النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013.

إن طلب رئيس الوزراء من الديوان الخاص بتفسير القوانين التأكيد على حدود السؤال النيابي يعكس حرصه على إقامة علاقة طيبة مع مجلس النواب وعدم تعريض وزرائه إلى أسئلة نيابية قد تتضمن طلب أسماء أشخاص ووثائق خطية. فنسبة النواب الجدد الذين تم انتخابهم لأول مرة في مجلس النواب العشرين عالية، بالتالي لا تتوافر لديهم المعرفة الكافية بقواعد العمل البرلماني وأحكام السؤال النيابي.

في المقابل، فإنه ليس من المناسب تشريعيا لمن يتابع التطورات الدستورية والقانونية في الأردن أن يقرأ القرار التفسيري الأخير للديوان الخاص بتفسير القانون، والذي على ما يبدو أن أعضاءه قد أرسلوا رسالة ضمنية مفادها أنه من غير المقبول تكرار طلب تفسير نصوص قانونية متشابهة من حيث الغاية والمضمون أكثر من مرة. فقد جاء في القرار التفسيري الأخير القول إنه لم يرد أي تعديل جوهري على أحكام السؤال في النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 يمس جوهر القرارات التفسيرية السابقة التي صدرت والمتعلقة بنطاق السؤال النيابي.

إن تفادي ظاهرة تكرار طلبات تفسير النص القانوني أكثر من مرة يكون من خلال تتبع القرارات التفسيرية التي تصدر وتضمينها التشريعات الوطنية ذات الصلة في أي تعديل لاحق قد يطرأ عليها. فبعد صدور القرار التفسيري رقم (2) لسنة 2015 الذي حدد نطاق السؤال النيابي بأنه لا يشمل طلب وثائق أو ذكر أسماء، كان يتعين على مجلس النواب أن يعكس مضمون هذا القرار في التعديلات اللاحقة لنظامه الداخلي، بحيث يتم إضافة حكم جديد إلى شروط السؤال النيابي بأن لا يتضمن ذكر أسماء أشخاص معينين أو طلب مستندات أو وثائق بعينها.

ويبقى اللافت للنظر التطورات التشريعية التي خضعت لها الأحكام الناظمة للسؤال في النظام الداخلي لمجلس النواب خلال السنوات الماضية. ففي النظام الصادر في عام 1996 كان هناك شرط واضح وصريح في المادة (115) منه بأنه لا يجوز أن يتضمن السؤال ذكر أسماء الأشخاص أو المس بشؤونهم الخاصة.

إلا أنه وعندما صدر النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب في عام 2013، تم حذف هذا الشرط من الشروط الواجب مراعاتها في السؤال النيابي كما حددتها المادة (124) من النظام النافذ، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء في ذلك الوقت إلى الطلب من الديوان الخاص بتفسير القانون إصدار قراره التفسيري حول هذا الموضوع في عام 2015.

وعلى الرغم من التعديلات اللاحقة التي خضع لها النظام الداخلي لمجلس النواب بعد ذلك العام، لم يتم تكريس القرار التفسيري المتعلق بعدم جواز ذكر أسماء أشخاص أو طلب مستندات في السؤال النيابي، مما دفع الحكومة الحالية إلى طلب التفسير الأخير، وذلك حرصا من رئيسها على عدم تعكير صفو العلاقات بين وزرائه وأعضاء مجلس النواب.

إن رئيس الوزراء الحالي على درجة عالية من الفطنة والذكاء السياسي، ويعي الحماسة لدى نواب المجلس الحالي، وبالأخص الحزبيون منهم، في ممارسة الرقابة البرلمانية. فيكون طلبه المقدم منه إلى الديوان الخاص بتفسير القوانين بخصوص السؤال النيابي له ما يبرره وإن كان بالإمكان تجنبه لو أن ما يصدر عن المجلس من قرارات تفسيرية يجري تدوينها وعكسها مباشرة في التعديلات المتعاقبة على التشريعات التي يجري تفسيرها.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

[email protected]

مواضيع قد تعجبك