مع خروج آخر أسير اسرائيلي من القطاع سيبدأ دخول دبابات الاحتلال وفق خطة الجنرالات التي تقضي بإحتلال شمال غزة فوق محور نتساريم وتهجير سكانها الى الجنوب الى جانب احتفاظ القوات الاسرائلية بشريط على طول الحدود بما في ذلك محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر.هذه الخطة كان قد تم الايعاز بتنفيذها قبل اسابيع وتعطلت بالموافقة على وقف اطلاق النار وفق شروط الصفقة التي تفرض الانسحاب التام على مرحلتين مقابل اطلاق سراح الأسرى.وألرهائن أن هذا ما يفكر به نتنياهو ويفاوض عليه سموتريتش الذي يضغط للعودة للحرب أبكر من ذلك بعد المرحلة الأولى للصفقة.
المشهد في غزة بعد وقف اطلاق النار أغاض مجرمي الحرب وحرق اعصابهم وضاعف احباطهم فقد بدا شعب غزّة عصيا على الانكسار ينبعث من الرماد متحديا ومحتفلا ومبتهجا فوق كل الدمار والخراب. والحق ان حماس ادارت المشهد بكفاءة باهرة.. المقاتلون يظهرون بكامل عدتهم وعتادهم مع عرباتهم يرافقون الأسرى لتسليمهم ويشرفون على ضبط الحشد الجماهيري بل انهم امتلكوا الوقت والرواق لتحضير هدايا للصبايا المفرج عنهن أمام الكاميرات بأكياس انيقة مطبوع عليها اسم الحركة. وكل شيء دلّ على وجود ادارة واذرع تسيطر بكفاءة على الميدان. المشهد الأول سيلقي بظلاله على المفاوضات للمرحلة الثانية بعد اليوم السادس عشر وبالتأكيد لن يستجيب نتنياهو لطلب سموتريتش بالعودة للحرب قبل استكمال اطلاق سراح الأسرى فالضغط الداخلي والخارجي سيمنعه من تفشيل مفاوضات المرحلة الثانية لكن قد يعطي وعودا لما بعد ذلك ويبحث في مفاوضات المرحلة الثانية عن صياغات تترك له هامشا او ذريعة للعودة للحرب ومنها مثلا ما يتعلق بترتيبات » اليوم التالي » مثل عدم عودة حماس للحكم. ويكفي تكرار مشهد رجال حماس يجوبون الشوارع بأسلحتهم كذريعة لإطلاق حرب جديدة دون وجود اسرى وهي الورقة الوحيدة التي كانت بيد حماس لفرض الانسحاب التام.
الضمانات أو التعهدات أو الالتزام الدولي والعربي ضد تجديد العدوان الاجرامي يجب أن تستند لتفاهمات سياسية مفصلة حول ادارة القطاع بعد الحرب وآخر ما تحتاجه حماس هو أن تتحمل مسؤولية حكم قطاع مدمر وشعب يفتقر لأدنى مقومات الحياة، ناهيك عن اعطاء ذريعة للعدو للانتقام واحتلال اجزاء من غزة وفرض وقف للنار يعطي صورة النصر المنشود.
المكسب الأكبر الذي صنع صورة النصر للمقاومة وشعب القطاع هو الانسحاب التام والهدنة الدائمة. ولا يحمي هذه المكاسب الا اشتراك عربي ودولي في تفاصيل الترتيبات والمسؤولية عن القطاع بعد الحرب لضمان تدفق المساعدات وانهاء الحصار ودعم اعادة البناء الى جانب ادارة الشؤون العامة والأمن والخدمات.
لا نتخيل نتنياهو يستسلم لصورة الفشل والمهانة التي احاطت به وغمرته من رأسه لأخمص قدميه ومسيرة الأيام الخمسين لتنفيذ كامل الصفقة ستكون مليئة بالألغام لكن وجود اسرى ينبغي استعادتهم هو الضمانة للمضي قدما حتى اليوم الأخير. وبعد ذلك كل شيء يعتمد على صورة المشهد الذي سيرتسم وأسوأ شيء ان تنزلق حماس لاستعراض حضورها العسكري ولإغواء العودة لحكم قطاع غزة. يجب البحث منذ الآن في ترتيبات ادارة مدنية لقطاع غزة محمية بإشراف عربي ودولي وبالتوازي يجب انجاز تفاهم فلسطيني بين جميع الفصائل على خطة العمل وسيكون عربون الوحدة الوطنية القادمة التفاهم على ادارة محلية تكنوقراطية انتقالية للقطاع مرتبطة رسميا بالسلطة الوطنية الفلسطينية.