*
الاربعاء: 22 يناير 2025
  • 21 يناير 2025
  • 22:03
الضفة الغربية على مفترق طرق: ما تداعيات التصعيد على الأردن؟
الكاتب: محمد صبيح الزواهرة
https://khaberni.com/news/690618

التصعيد في الضفة الغربية، والذي بدأ من مخيم جنين، هو تصعيد مدروس وممنهج يعكس توجّه حكومة نتنياهو واليمين المتطرف نحو إعادة تشكيل الواقع السياسي والديموغرافي في فلسطين. هذا التصعيد، الذي يُتوقع استمراره حتى يتم ضم المناطق المصنفة (ج)، قد يقود إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، ستكون أكثر عنفًا ودموية، وهو ما يخدم أجندة اليمين الإسرائيلي الساعي لفرض الهيمنة المطلقة وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.

 

هذا السيناريو يحمل تداعيات خطيرة على الأردن من زاويتين:
أولًا، سقوط السلطة الفلسطينية ككيان سياسي معترف به دوليًا سيؤدي إلى انهيار المنظومة الأمنية والسياسية التي تساهم في الحفاظ على التوازن في الضفة الغربية. هنا يمكن استحضار نظرية الأمننة (Securitization Theory)، حيث إن انهيار السلطة سيحوّل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى “قضية أمنية” على الحدود الأردنية. هذا التحول سيضاعف الضغوط على الأردن، سواء من خلال تدفقات لجوء كبيرة أو تصاعد النشاطات الراديكالية، ما يجعل التحديات الأمنية تتصدر الأولويات الوطنية، ويزيد الأعباء السياسية والاقتصادية على الدولة.

ثانيًا، الخطر الأكبر هو احتمالية تنفيذ مشروع “الترانسفير”، وهو عملية تهجير قسرية لسكان الضفة الغربية، خاصة من حملة الجواز الأردني أو الجنسية الأردنية، إلى الأردن. هذا السيناريو يتماشى مع رؤية اليمين الإسرائيلي لتطبيق فكرة “الوطن البديل”، مستفيدًا من الضغوط الدولية التي قد تُمارس على الأردن. هذا الوضع سيضع الدولة الأردنية أمام معضلة أمنية وديموغرافية كبيرة، حيث ستتحمل عبء تصفية القضية الفلسطينية، مما يهدد استقرارها الداخلي بشكل مباشر.

تتحرك هذه الديناميات في سياق إدارة نتنياهو لحكومته، حيث يسعى لإبقاء حالة الحرب والتوتر قائمة لتجنب المحاكمة الداخلية، بينما يفرض عليه اليمين المتطرف التصعيد في الضفة كشرط لإعادة بناء التحالف السياسي الداخلي.

إن مواجهة هذا المشهد تتطلب منا كأردنيين قراءة دقيقة واستراتيجية للتطورات، ترتكز على حماية مصالحنا الوطنية في سياق سياسي وأمني معقد. يجب العمل على تعزيز أدوات الدبلوماسية الاستباقية عبر بناء تحالفات إقليمية ودولية قادرة على التصدي للمشاريع التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهديد أمن الأردن واستقراره. وفي الوقت ذاته، يتعين تعزيز التماسك الداخلي وتقوية الجبهة الوطنية من خلال دعم القيادة السياسية، ممثلة بجلالة الملك، ومساندة مواقف الدولة الثابتة تجاه القضية الفلسطينية.

من الناحية الاستراتيجية، ينبغي على الأردن تطوير خطط استباقية تعالج المخاطر المرتبطة بفرض واقع جديد في الضفة الغربية، بما في ذلك مواجهة سيناريو “الترانسفير” عبر خطوات سياسية وقانونية تحفظ حقوق الفلسطينيين وتضمن حماية الأردن من أي ضغوط دولية تسعى لتغيير هويته أو دوره الإقليمي.

إن التعامل مع هذا التحدي يتطلب استحضار نظرية الواقعية السياسية (Political Realism)، التي تركز على تعزيز قوة الدولة وصمودها من خلال حماية أمنها القومي، والتصدي لأي تهديد يمس وجودها أو استقرارها، مع الحفاظ على دور الأردن المركزي كركيزة للاستقرار الإقليمي وحماية قضايا الأمة العربية.

مواضيع قد تعجبك