*
الثلاثاء: 21 يناير 2025
حرية التعبير و أقلام التنوير
  • 2025-01-20- 21:13

في العادة الكتابة حول أحد العناوين التي تحظى بمكانة عالية و مصانة ، و محاطة بهالة من القدسية داخل وعي ثقافة الاحترام لدى العامة الشعبية و الطبقة المثقفة السياسية ولدى الجهات الرسمية ، كأن تكتب عن الوطن والمواطنة  والهوية الوطنية و الديمقراطية  ، الأسرة و الام و الاب والنسب والأخلاق ، الدين والعلم و الايمان ،الدولة و العشيرة و رموزها، القضاء و القانون و الاحكام و عدالتها ، الملفات و المناصب الحساسة داخل المؤسسات و قراراتها و تشريعاتها و سلوك موظفيها ،حرية الرأي و التعبير و مساحاتها و حدودها و فكرها و لغتها تجاه هذه العناوين داعما او ناقدا و غيرها  ، فأنك تحرص كل الحرص على  أن لا تخدشها أو تقسو عليها بمشرطك  و تجرحها أو تضربها بعصا الإتهام و تكسرها أو تستخدم ألفاظ غليظة تنال من هيبتها أو تقوم بأفعال تتناقض و تتنافى و احترامك لمكانتها و اغتيال شخصياتها كما حدث في مرحلة ما ، بل إنك تحرص كل الحرص على عدم المساس بها بما يؤثر على ترسيخها و تعزيز حضورها و قيمها و مفاهميها و تعمد إلى التنبيه بأضرار و عوائد طريقة المساس السلبية بها على المجتمع .


عند الحديث عن حرية الرأي و  التعبير ، سيجد القاريء أن مقدمة المقال تعكس مفارقة تتجلى بأن قد وضعت على نفسي من القيود و الحدود و  المقال يتكلم عن  الحرية التي تعني التخلص من اي قيود قد تعيق قدرات الفرد اين كان مواطن أو مسؤول في التعبير عن ما يجول داخل فكره و يعتمر صدره و يختمر في عقله تجاه بعض السلوكيات و التصرفات و الممارسات في التعامل مع الاحداث الامر التي تتحول الى قضية رأي عام  لا تنال الرضى و الموافقة داخل المجتمع ، حيث تتعدد اشكال الانطباع و أسس الأحكام في اختراع صورة و شكل التعبير و مساحة الحرية لممارسته فعلا أو قولا ، و تصنيفه لاي مرجع أو مرد ، هل هو رد فعل نتاج  غياب أو عدم صدور الرواية الرسمية حيالها او عدم وجود تبرير قرار ام لضعف الثقة والقناعة بتلك السردية ، و الاستعاضة بدلا عنها بمن جاء و ساهم في صناعة  تشكيل الرأي عن طريق الإشاعة أو أعاد اخراج الحدث بأدوات و وسائل مدعومة بوثائق و نصوص قام بطرحها للتداول دون تفسير،  ام أن هذا الرأي هو  نتيجة فعل فاعل عن قصد ذو أجندات أو  أفعال عفوية تحت تأثير اجهاد و ضغوطات يومية ، أو قرارات لم تروق و تتناسب مع توقعات وطموح المواطن و ثقافته أو تفوق قدراته الفكرية و امكانياته الاقتصادية والأمثلة عديدة ، لتتحول جملة هذه الآراء  إلى طبقة رمادية من الركام فوق مصهور قابل للاشتعال ، أو غمامة تحجب الواقع و تخفي المستور و تمطر وتعمل على تبريده والمقصود الحدث.

هذا المقال و ما أورده و ما أضمنه و أذكره فيه من محتوى خطي هو واحد من أحد مظاهر حرية التعبير التي تتعدد مظاهرها و ادواتها مابين المقروء و المسموع و المنطوق و المكتوب و المصرح عنه الذي كفله الدستور الأردني حيث جاء فيه من الفصل‭ ‬الثاني  الآتي:


حقوق‭ ‬الأردنيين‭ ‬والأردنيات‭ ‬وواجباتهم‭ ‬المادة 6:


الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين.


المادة‭ (‬15‭)‬


1.تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.


3. تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون.


استنادا إلى هذه النصوص يتضح أن  الدستور قدم اولا: الحماية و الحصانة لكل اردني بأن يمارس حقه في التعبير بجميع أدواته  من شتى مشاربه الفكرية والاجتماعية و السياسية و بأي لون من ألوان قلمه السوداء الحمراء البيضاء الخضراء ، ان اجتمعت أو اختلفت الآراء سواء حول  ملفات داخلية أو خارجية  لكن على أن لا تتحول الى وسيلة يستغلها المغرضين في شق الصف و الافتراق و هدم أساسات الوحدة و الجبهة الداخلية .


ثانيا : أبان الدستور الأردني ومايز الخطوط و الحدود و مساحة الساحة المتاحة لنشاط التعبير عن الرأي بشقيه مؤيدا أو معارضة بعيدا عن عقلية التعصب و التشدد و التصلب و التمترس حتى لا نصل إلى مرحلة التغطرس و نقطة اللاعودة في القبول و العدول وإيقاع العداوة ورفض إبداء المرونة في اظهار ثقافة تقبل الرأي والرأي الاخر  ، حيث الحرية سقفها السماء فأن حدودها مابين الأرض و السماء ولا تتجاوز الفضاء ، هنا يأتي دور اقلام التنوير داخل كل تيار أو جماعة أو مؤسسة أو فريق أو شخصيات سياسية حزبية نقابية عشائرية حكومية بأن تعمل على تحفيز تمازج الوان الكتابة عبر عقلنتها و تحديد  أهدافها و التركيز على القضايا الوطنية و خاصة الداخلية و ثم توحيد مواقفها من الخارجية بما تقرره الدولة و يجعل المصلحة العامة الأردنية غايتها  ، وهذا يتطلب إفساح المجال في زيادة حجم رقعة نشاطها لإثبات صحة و عافية الحياة السياسية الديمقراطية في الاردن .


ممارسة التعبير عن الرأي تحتاج مساحة تراوح خطوطها ما بين الجرأة والحذر لكن بخطوات محسوبة بقدر و لاختبارها لا بد من الطرح و التفاعل و الاستجابة مع الحالة العامة في اختيار العناوين و المشاركة في حمل العبء لنقل الصورة الواقعية بكل شفافية و هو جزء من عملية بث و تشكيل الوعي السياسي العقلاني و عكسه  داخل المجتمع و شرحه وعدم تركه للفراغ و ملأه من الخارج ظنا أنه محصن في حين أن الحاضنة الشعبية الأردنية تنتظر ممن هو في موقع المسؤولية الحكومية أو الحزبية أو الناشطة اجتماعيا وسياسيا التفاعل معها بطريقة مقنعة سواء من خلال مقال أو حوار داخل مجموعة واتس أو ندوة أو باص أو تكسي و تقديم تحليل منطقي يعتمد على ربط الوقائع مع بعضها و توضيح  أهدافها .


التفسير الديني للأحداث السياسية هو الطاغي بالإضافة إلى تيارات الهويات الفرعية المختلفة ذات المكاسب الشخصية عليه احيانا هناك ضرورة لترك نقطة الحذر و الانطلاق  إلى مساحة الجرأة لضبط الايقاع و إعادة كل طرف إلى مكانه و حدوده للحفاظ على توازن النقاش الذي يطفو فوق ساحاته من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية دون طغيان لون على آخر.


علاقة الدولة الأردنية مع ملفات حقوق الإنسان و التعبير عن الرأي لطالما اتسمت بدور العاطفة الأبوية التي توازن ما بين قيم التربيه الوطنية للثقافة المجتمعية الأردنية و الاعتدال بين الثواب و العقاب و ضرورة  الاحترام وعدم الإفراط في المدح أو الذم و القدح .


وسائل الردع أو المكافأة متوفرة و نماذج تجربتها زاخرة في حاضر و ماضي الذاكرة الأردنية ، و أحدثها الإفراج عن الكاتب احمد حسن الزعبي الذي تزامن خروجه مع تشكيل حكومة جديدة و مجلس جديد لمركز حماية و حرية الصحفيين ، و تبرئة سالم الفلاحات و من قبله ليث شبيلات رحمه الله تعالى و هناك من نشطاء المعارضة صاروا أعيان و نواب و وزراء و العديد من رجال الدولة في السبعينات و الثمانيات كانوا معارضين بل عناصر انقلابات ضد الدولة ، لكنها اظهرت القدرة على استيعاب النتائج و المسببات و التعامل مع معطيات كل حالة و علاجها لأنها دولة القانون و المؤسسية و ترفض العنف و الدموية و كل من يدعوا لها.


أختم بالقول إن  الكاتب في سبيل التعبير عن الرأي و الهم الوطني الحقيقي هو من يحمل أعباء مسؤوليته و  يخفف وطأة الضغوط على مواطنه ، و هو شمعة تضيء و تنير الدرب لأجل مجتمعه و وطنه الاردني الذي لا يشبهه الا الاردن حيث العفو و التسامح من شيمه و شيم قيادته الهاشمية و شعبه الاشم.

المحرر: د محمد العزة

مواضيع قد تعجبك