كتب: محمد الحوامده
في عام 2004، قدّر لي أن أزور مدينة دبي لأول مرة، في ذلك الزمان كانت الصحافة المطبوعة في أوجها، فكان من السائد أن تجد أمام باب غرفة الفندق مجموعة الصحف المتعاقد معها، وباللغتين العربية والانجليزية.
كصحفي، كان يشدّني المشهد، وأجدها مناسبة للإطلاع على محتوى الصحف بمختلف أقسامها، ورؤية كيف تتسابق الصحف بإخراج مطبوعاتها للقراء بأبهى حلة، شكلا ومضمونا.
منذ ذلك الوقت وبعده لسنوات، بقي هذا المشهد سائدا عند كل زيارة لي لدبي، حتى بدأ عصر الصحافة الورقية عالميا بالأفول، وما تلاه من بروز الصحافة الإلكترونية مع ثورة الإنترنت والتطبيقات والهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي.
أعود للمشهد الأول، حين كانت صفحات "الخليج والإتحاد والبيان" تعج بالأخبار والأنشطة في دبي، وإخالها إلى اليوم تعكس نبض الإمارة وما يجري فيها من أحداث يقف عليها شخصيا أمير دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
كان طبيعيا أن يتحدث الشيخ محمد مع صحفي أو صحفيين، أجانب أو مراسلين للصحف المحلية، وكان ما يتصدر العناوين عبارة اخترتها عنوانا لمقالي هذا.. فقاعة دبي!
لم يكن الشيخ محمد يتحرّج من الدفاع عن فكرة مشروع دبي، ويرد على المشككين: دبي ليست فقاعة، لن يفشل المشروع، وكان الشاهد حجم الإنشاءات والأفكار والرؤى التي أحاطت بمشروع دبي.
وفي عام 2008، مع اندلاع أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعثر عدد من شركات العقار في دبي، ظن المشككون أن "فقاعة دبي" انفجرت، وأن المنطق الذي فرضته الأزمة المالية العالمية، واكتوت بنارها كبرى الاقتصادات في العالم، وأوسع البنوك انتشارا، ستجرف دبي معها إلى عصر ما قبل النهضة !
وبدا أن دفاع الشيخ محمد بن راشد عن مشروعه لم يكن يعدو عن دفاع صاحب فكرة عن فكرته، ودفاع حالم بعيد عمّا يجري في الواقع، فكيف لاقتصاد عمره حوالي الـ 300 عام كالاقتصاد الأميركي يهتز، فيما تبقى دبي، الإمارة والمدينة و"الفقاعة" على حالها!
بعد عشرين عاما، كانت زيارتي (الثالثة أو الرابعة عشرة)، وتحديدا نهاية الشهر الماضي، بدعوة من دائرة دبي للاقتصاد والسياحة، للإطلاع والمشاركة في جانب من مبادرة "تحدي دبي للياقة" 30*30، التي أطلقها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، ولي عهد دبي، لتحفيز الجميع على الالتزام بممارسة تمارين رياضية لثلاثين دقيقة يوميا على مدى ثلاثين يوما، واعتماد نمط حياة صحي ونشيط.
أطلق تحدي دبي للياقة عام 2017، وساهم بتحفيز الملايين على اعتماد نمط حياة صحي أكثر، مانحا الفرصة للمقيمين في دبي وزوّارها (من ضمنهم أنا وعشرين صحفيا من حول العالم) فرصة الاستفادة من الأنشطة الرياضية التي تُقام في مختلف أنحاء المدينة، التي جذبت 15 مليون سائح أول 10 أشهر من عام 2024.
بإيجاز، بدأ برنامج الرحلة بالإقامة في فندق سايرو ون، أول فندق للياقة البدنية في دبي، الذي يعتبر "مختبر تعافٍ" أكثر من كونه فندق إقامة، بفضل التسهيلات والمرافق التي يحويها، والوجبات الصحية التي يقدمها، ومعدات ممارسة الرياضة داخل الغرفة أو في النادي الصحي، عدا عن الغرف المبردة وأسرة الاهتزاز والبرك الساخنة وكبسولات الاسترخاء وجلسات التأمل المختلفة.
وتضمن البرنامج ركوب الدراجات الهوائية، في مسار القدرة، أطول مسار متصل للدراجات الهوائية في العالم، بطول 86 كليومترا، تتخللها الواحات والمحميات التي تعج بالحياة البرية، والتدريب على رياضة البادل (الشبيهة بلعبة التنس الأرضي)، التي تحتضن دبي تسعة أماكن لممارستها، من بينها مركز بادل إيه إي، وخوض غمار رياضة المغامرة (هايكنج) في منطقة حتّا، ولعبة القوس والنشّاب في منتجع جي إيه حتّا فورت، وفي التجديف بقوارب الكاياك على مقربة من المنتجع في سد حتّا.
وتوّج البرنامج بالمشاركة في تحدي سباق دبي للجري، إلى جانب 278 ألف مشارك في السباق وسط المدينة، بمسربيه: الـ 5 كليومتر والـ 10 كيلومتر، بعد مجموعة أنشطة في الاسترخاء ومراكز الاستشفاء والتعافي المختلفة في دبي ومشاهدة سباق القوارب الشراعية ومعرض بورش، دون إغفال للرياضات والألعاب الأخرى التي لم يتح لنا الوقت لتجربتها، والتي تزخر بها دبي ولكافة الأعمار والفئات.
طوال عشرين عاما، كان مشروع دبي يصارع سهام المشككين، بيد أن "الفقاعة" التي كانوا يرسمونها في أحلامهم، ويتأهبون لتفجيرها بسهامهم، لم تكن سوى مختبر ابتكار واسع، يبذل المبدعون فيه كل السبل التي تجعل من دبي وجهة استثمار وتسوّق وترفيه ورياضة رائدة على مستوى العالم،،، وهذا ما حصل!