في مشهد يُذكّر بكوابيس اليمن ولبنان والعراق، كشف الأردن عن خلية إرهابية مسلّحة خططت لارتكاب أعمال تخريبية داخل المملكة، وُجد بحوزتها أكثر من 300 صاروخ قصير المدى، مع معدات تصنيع، وأسلحة، ومواد متفجرة. بحسب التحقيقات، فإن بعض أعضاء الخلية مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين، فيما تلقّى آخرون تدريبات في الخارج، وتحديداً في لبنان، ما يُشير إلى وجود دعم وتنظيم خارجي واضح.
أولاً: البعد القانوني – الجريمة قبل أن تقع
وفق المادة (3) من قانون منع الإرهاب، فإن مجرد التخطيط أو التمويل أو التدريب أو الالتحاق بجماعات إرهابية يُعد جريمة إرهابية، حتى لو لم تقع الجريمة فعلاً. كما أن المادة (7) من ذات القانون تشدد العقوبات لتصل إلى الإعدام أو الأشغال المؤبدة، في حال أدى العمل الإرهابي إلى القتل أو استُخدمت فيه مواد متفجرة.
كما يطبّق على أفراد هذه الخلية قانون الأسلحة النارية والذخائر، الذي يُجرّم تصنيع أو استيراد الأسلحة دون ترخيص، ويفرض عقوبات لا تقل عن الأشغال المؤبدة ومصادرة الأسلحة. بذلك، فإن الخلية تواجه تهمًا متعددة تشمل:
تشكيل جماعة إرهابية.
حيازة وتصنيع أسلحة محظورة.
التآمر ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي.
تعكير صلات المملكة بدول أخرى، من خلال التدريب الخارجي والارتباط بجهات خارجية.
ثانيًا: الأبعاد السياسية – حين تكاد الدولة تقع
ما حصل لم يكن مجرد "قضية أمنية" عادية. كان مخططًا متكاملًا لإنشاء ميليشيا مسلحة داخل الأردن، تابعة لتنظيم سياسي ديني، تنتظر اللحظة المناسبة لتفجير الوضع. السيناريو يشبه ما جرى في:
لبنان: حيث تحوّل حزب الله من حركة مقاومة إلى دولة فوق الدولة، بعد أن امتلك السلاح والقرار العسكري
اليمن: حيث قاد الحوثيون انقلابًا على الدولة بعد سنوات من العمل كجماعة منظمة تتلقى الدعم من الخارج
العراق: حيث خرجت الميليشيات الطائفية من رحم أحزاب سياسية، لتتحول إلى أدوات بيد الخارج، وتسببت بانهيار أمني مزمن.
كان المخطط في الأردن يسير في ذات الاتجاه: سلاح موجود، تدريب خارجي، شبكة تجنيد، وانتظار لحظة الفوضى لإعلان المواجهة. أخطر ما في المخطط هو نيّة اغتيال شخصيات معارضة وإلصاق التهمة بالدولة، لخلق حالة غضب شعبي تؤدي إلى مواجهة بين الشعب والأجهزة الأمنية، ومنها تبدأ كرة النار.
ثالثًا: المخابرات الأردنية – درع الوطن اليقظ
جهاز المخابرات العامة الأردنية أثبت مجددًا أنه جهاز محترف، يمتلك من الكفاءة والجهوزية ما يسبق الجريمة بخطوة. الضربة الاستباقية التي أُسقطت بها هذه الخلية ليست مجرد إنجاز أمني، بل إنقاذ لوطن بأكمله من فوضى كانت ستجرف الأخضر واليابس.
ولعلّ الرسالة الأهم هي: أن الدولة الأردنية لا تُدار بمنطق الانتقام أو التصفيات، بل بمنطق الدولة الراشدة، التي تحكم بالقانون، وتحاسب من يخطئ دون أن تمس الأبرياء أو تتعدى على الحريات.
رابعًا: ما بعد الانكشاف – لا بد من قرارات مصيرية
بعد هذه الحادثة، فإن الدولة أمام مفترق طرق. إما أن تتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم مدني سياسي، أو تعترف بأن بعض أجنحتها باتت تشكل خطرًا وجوديًا على الدولة، وتستخدم غطاء العمل السياسي لأهداف إرهابية. القرار بيد الدولة، لكن المؤشرات باتت واضحة، والحقائق لم تعد قابلة للإنكار.
ما حصل ليس مجرد مؤامرة تم إحباطها، بل جرس إنذار بأننا نعيش في بيئة لا تقبل التراخي، وأن حماية الدولة تتطلب وعيًا جماعيًا، وتشديدًا قانونيًا، ومواجهة حاسمة مع كل من يفكر أن يحوّل الأردن إلى ساحة للدماء أو منصّة للفوضى.
لقد نجونا هذه المرة... لكن على الجميع أن يعلم: الدولة لن تنام بعد اليوم.