من يصدق انه قد مر كل هذا الوقت ؟ ستة عشر عاماً بالتمام والكمال منذ ذلك الصباح الذي رحلت فيه مؤمناً مُسلّماً بقضاء الله وقدره تمام التسليم راضياً بحكم ربك …
لم تكن راضياً به فقط ؛ بل كنت شاكراً حامداً … ولعلها المفارقة الجميلة ان جريدة الدستور نشرت صبيحة يوم وفاتك الكلمات التي كتبتها قبلها بليلة تقول فيها (( الحمدلله الذي امتحنني بالمرض ، والشكر له ان مدني بالصبر عليه )) !
في اليوم التالي نعت الصحف وفاتك بعنوان لا زال عالقاً امام عيني حتى اليوم (( رحيل ضمير الصحافة الأردنية )) … وقد كانت تلك الجملة اثقل تركة تتركها لنا بعدك يا أبا علي …. كانت لنا مثل " برهان ربي " كلما سولت النفس شيئاً ما …. فنتذكر اننا ابناء الضمير … ونتذكر انك عشت ورحلت وانت تردد (( الرزق على الله والسمعة عند عباد الله ))
ولا زالت سمعتك إلى اليوم يا والدي هي رأس المال وخير العوض … ونرجو ان لا نلوثها يوماً ؛ فالدنيا يا والدي تغيرت لدرجة انني احيانا احمد الله يا احمد انك رحلت قبل كل ذلك ! أتصدق يا والدي ان الخريطة التي علمتنا حفظها قد تغيرت بالكامل ؟ وان القواعد والاخلاق والقيم قد تغيرت ايضاً ؟ و ربما اصبح ضرباً من الخيال ان نعدك بالصمود ايها الضمير !
شيء واحد فقط لم يتغير … إيمان والدتنا العجيب بك وبإدارتك الحكيمة للمرحلة … واعذرني احيانا أحاول إضحاكها بقولي " خليه يفيدك " … فترمقني بنظرة تجعلني اتمنى ان تنشق الارض وتبلعني …. وهنا لا بد لي ان أسألك سؤالاً في هذا البوح … كيف كان لكما ان تتعاملوا معنا طوال هذه السنين بكل هذا الرقي … وتكون أقصى حالات الغضب الأبوي " نظرة " قاسية فقط … اعترف لك اليوم يا ابي ان تلك النظرة كانت تهز كياني هزاً وانا في عنفوان شبابي وتعيدني إلى رشدي ! أراها امامي اليوم واراك ترمقني بها غضباً … وأعدك انني سأعود إلى رشدي !
أتذكر انتخابات النقابة التي كنت " تدوشنا " بها ؟ أنا اذكرها تماماً … اذكرك مرشحاً واذكرك ناخباً ؛ والغريب ان توترك وانت ناخب لم تترشح كان اكبر بكثير من توترك وانت مرشح للانتخابات … واذكر تماما آخر انتخابات خضتها عام ٩٩ … يومها اذكر انني سألتك ( طب عالقليلة اكتبلك بيان انتخابي ) يومها أجبتني انت ( أنا بياني ) واستوضحت منك اكثر فقلت ( عمراً كاملا قضيته يا علي بين الزملا … ومسيرة يعرفونها تماماً … فإن ارادوا انتخبوني … وان لم يفعلوا اراحوني ) …. بالمناسبة يا ابي الانتخابات بعد يومين وانا متأكد انك ستكون هناك … وأنك ستفرح ان " فلحة بريزات " تخوض المعركة الانتخابية … فهي كانت نبوءتك في تلك الانتخابات …. يومها عبرت فلحة عن فرحها بنجاحك الساحق وحصولك على اعلى الأصوات واذكر تماما انك قلت لها ما مفاده انها سيكون لها باع كبير في العمل النقابي ولعلها تكون اول نقيبة يوما ما !
ستة عشر عاما يا والدي الطيب … وفي ذهني اسئلة كثيرة … تتعزز مع الاحداث … كم كنت أتوق لسماع رأيك في الربيع العربي ؟ في سقوط نظام الاسد الذي حرمك الشام لعقود ؟ في حرب غزة ؟ في هذا الهوان الذي يمر به العرب ؟ في كل من تسول له نفسه أذية هذا الوطن واختراق امنه وأمانه ؟ و لعل أهم هذه الاسئلة كيف استطعت ان تقاوم كل هذه المغريات وان تصمد امام كل هذه الابتزازات ؟ كيف عشت جريئاً في مجتمع جبان ؟ كيف عشت نظيفاً ورحلت نظيفاً ؟ كيف عشت صادقاً في زمن النفاق ؟ كيف عشت زاهدا تسبح ضد تيار الجشع ؟ كيف كنت ترى نفسك أغنى من الكل وانت أفقرهم ؟
رحمك الله يا والدي الطيب … واعذرني ان كان في كلماتي انكسار … فالدنيا لم تعد الدنيا يا ابا علي … وانت رحلت دون ان تعلمني "ان لا اشتاق " !