صباح الخير أيها الأردن، يومُ علمكِ يُشرقُ فوق كلّ تلّةٍ ووادٍ. في فلسفة الوجود الوطني، لا يكون العلم مجرد قطعة قماشٍ ترفرف في السماء، بل هو ذاكرةٌ حية تُجسّد روح الأرض وتاريخ الإنسان. يوم العلم الأردني، الذي يُحييه الأردنيون في 16 نيسان، ليس احتفالاً باللون الأحمر أو الأسود أو الأبيض أو الأخضر أو نجمته السباعيّة فحسب، بل هو احتفاءٌ بتعانق الجغرافيا والتاريخ في كلّ محافظة، كخيوطٍ تُنسج معاً لتصنع هويةً واحدة.
في عَمّان، القلب النابض وذاكرة الأقدمين، تتكئ العاصمة على تلال جبل القلعة، حيث تروي حجارةُ هرقل ومعبدِ جوبيتير قصصَ حضاراتٍ تعانقتْ: رومان وبيزنطيون وعرب. عَمّان ليست مركزاً سياسياً فحسب، بل هي رمزٌ للتعايش، حيث تختلط أصواتُ الأذان بأجراس الكنائس، كأنّ العلم هنا يلوّن نفسه بتناغم الأديان وهناك على تلك التلال تربض رغدان والحمّر حصن الهواشم حماة الديار والعهد. وفي إربد، مدينة العلم والشعراء، تُزهو أرض "أرابيلا" الرومانية، التي تتحول تربتُها إلى حروفٍ وكتب، لتُذكّرنا بأنّ العلم الأردني لا يُرفع بالسواعد فقط، بل بالأفكار التي تُحرّر العقول.
أمّا المفرق، بوابة الشرق وحاضنة الإنسانية، فقد تحوّلت إلى ملاذٍ للاجئين من كلّ حدبٍ وصوب، تعلّمنا أنّ الأحمر في العلم ليس لونَ الدم، بل لونَ الكرم الذي لا ينضب. وفي الزرقاء، مدينةُ الصناعة والجيش، هو جيش فقط سيف الأمّة ودرعها الحصين، تُصهر المعادنُ إرادةً، وتتحول الصحراء إلى مصانعَ وثكنات، لتُذكّرنا بأنّ الأسود في العلم—لونُ العباسيين—هو رمزُ القوة التي تبني ولا تُدمر.
لا تبتعد البلقاء، أرض البركة وقلعة السلط، عن هذه الروح، حيث تتدفق عيون الماء وتُعلّمنا مدرسةُ السلط أولى دروس الوطنية، فيصبح الأخضرُ في العلم تعبيراً عن الخصوبة التي لا تقتصر على الأرض، بل تمتد إلى العطاء الإنساني. وفي مأدبا، مدينة الفسيفساء والقداسة، تُعلّمنا خريطتُها البيزنطية، التي رسمتْ فلسطين بقِطَعٍ صغيرة، أن الوطنَ كالفسيفساء: كلّ حجرٍ مهما صغر يُكمّل الجمال، ليكون العلمُ هنا صلاةَ شكرٍ لله على جمالٍ لا يُرى إلا من السماء.
من الكرك، قلعة التحدي وملحمة صلاح الدين، حيث صمدتْ قلعتها الشهباء أمام الحروب الصليبية وعلى أسوراها طافت أرواح الشهداء في عصرنا الحديث، نستلهم البياضَ النقي في العلم—لون الأمويين—الذي يرمز إلى النقاء الأخلاقي في مواجهة الظلام. وفي الطفيلة، أرض الأنبياء وجبال الأديرة، تُخفي الصخورُ كنوزَ التاريخ المسيحي والإسلامي، لتصبح حلقةَ وصلٍ بين الأرض والسماء.
أمّا معان، بوابة الحجاز ومهد الثورة، فمن هنا انطلقتْ رحلةُ الثورة العربية الكبرى، لترسم حدودَ الوطن بأقدام الخيول، لتُذكّرنا بأنّ العلمَ يُرفعُ بالإيمان قبل العُدة. وعلى شواطئ العقبة، نافذة الأردن وثغره الباسم على العالم، حيث تلتقي تجارةُ العالم بأساطير الأنباط، يتحوّل اللونُ الأسود في العلم إلى رمزٍ للانفتاح على الآخر دون خوف.
في جرش، مدينة التاريخ، تقفُ أعمدتها الرومانية شامخةً رغم الزلازل، لتُلهمنا بأنّ الوطنَ كالعلم: يُبنى على أسسٍ لا تُهدم، وثقافةٍ لا تموت. وفي عجلون، حصن المقاومة وغابات الخلود، تحيي قلعتُنا معنى "الأخضر" كرمزٍ للطبيعة التي تُجذّر الانتماء.
اليوم، ليس العلم مجرد ذكرى، بل هو عهدٌ نتجدد به كلّ عام. كلّ محافظةٍ تُضيف إليه لوناً جديداً: تضحيةً من الكرك، تسامحاً من مادبا وحكمةً من إربد... وهنا يصير العلم الأردني مرآةً لتاريخ لا ينتهي، ووعدٍ بمستقبلٍ لا يعرف الحدود. فليُرفعْ علمُكِ عالياً يا وطني، فتحته أرضٌ لا تُباري، وشعبٌ لا يُهزم، حمى الله الوطن الغالي وشعبه وقيادته وكل عام وأنتم بألف خير حماة العلم.