ربما لم يعد مجديا أن تتعامل الدولة الأردنية مع الواقع كما لو كان قابلا للترقيع، ثمة شيء بدأ يتغير سواء في نبرة القرار أو شكل الخطاب أو ملامح السلطة. نعم، تظهر المؤشرات بوضوح هناك دولة قررت أن تخلع قفازاتها الحريرية وتواجه الواقع بيديها العاريتين.
إنه ليس موسم إصلاح تقليدي، بل زمن اقتلاع. اقتلاع للثقة العمياء، للمحسوبيات المزمنة، وللتواطؤ الصامت بين طبقات عاشت طويلا خارج دائرة المساءلة، الأردن لا يواجه خصومه بل يواجه ذاته، يسائل ماضيه لا مستقبله وهذا ما يجعل اللحظة مخيفة وعظيمة في آن واحد.
الرسالة لم تعد تحتمل التأويل ،من لا يلحق يتساقط، من لا يجيد يقصى، ومن لا يملك شجاعة الاعتراف فلن يجد له مكانا في رواية الدولة الجديدة.
الزمن تغير ولم يعد منطق الاستقرار مقابل الجمود مقبولا أو قابلا للتصديق، لم يعد يكفي أن نكون أقل سوءا من غيرنا. الدولة أدركت أنها لا تبنى بالمقارنات، بل بالرؤية ولا تنهض عبر النجاة فقط، بل عبر الاستحقاق.
في هذا المشهد، لم تعد الدولة كيانا أبويا يوزع العطايا، بل أصبحت مؤسسة عقلانية لا تهادن ولا تنتظر، تعيد هيكلة العقل السياسي وتفضح التوازنات الهشة وتقول للجميع انتهى زمن الصمت.
من يظن أن ما يجري مجرد لعبة شد حبال مخطئ، إنها لحظة هندسة جديدة للحوكمة ، لاقتصاد قائم على الإنتاج لا الاستهلاك، لسلطة تستند إلى الكفاءة لا إلى النفاق، إنها عدالة لا تخشى الأسماء الثقيلة.
نعم، القادم قد يكون موجع فالحقيقة دائما موجعة بعد سنوات طويلة من التخدير، لكن الأكثر إيلاما أن نظل كما نحن.
العاصفة بدأت من الداخل ومن لا يريد أن يقتلع، فعليه أن يضرب جذوره أعمق.