في كل عام يقف الأردنيون وقفة عز وفخر بمناسبة يوم العلم الأردني. هذا اليوم ليس مجرد مناسبة وطنية تُرفع فيها الرايات وتُقام فيها الاحتفالات، بل هو لحظة وجدانية تختصر علاقة الأردني بوطنه، وتكشف عن معدن هذا الشعب الأصيل الذي، رغم كل ما يحيط به من صعاب وضغوط، لا يساوم على محبته لوطنه، ولا يزاحم ولاءه أي ظرف، ولا ينطفئ شغفه مهما اشتدت الأزمات.
العلم ليس فقط ألوانًا متجاورة على قماش يُرفرف في السماء؛ هو قصة تُروى، وتاريخ يُحكى، وهوية تُعتز وتُصان. إن الألوان الأربعة – الأسود، الأبيض، الأخضر، والأحمر – ليست مجرد رموز بصرية، بل رواية أمة، وصوت ثورة، وذاكرة نضال، ودرب حرية. النجم الأبيض في القلب، لا لأنه في منتصف العلم فقط، بل لأنه في منتصف كل قلب أردني.
وفي ظل التحديات الاقتصادية، وضيق الحال، وتفاقم الأزمات الإقليمية، يتوقع البعض أن تضعف الروح الوطنية أو يتراجع الحماس. لكن الواقع يقول غير ذلك. فكلما اشتد الخناق، زاد الأردنيون تشبثًا برايتهم. يرفعون العلم لا من باب الترف، بل من باب الكرامة، لأنهم يعرفون أن العلم هو الجذر الذي يجمعهم، والراية التي لا تسقط حتى وإن سقط كل شيء.
إن حب الأردنيين لوطنهم، وارتباطهم بعلمهم، ليس حبًا مؤقتًا يُحركه ظرف سياسي أو حملة إعلامية، بل هو عقيدة راسخة، تنمو في البيوت، وتُروى في المدارس، وتُحفظ في صدور الجنود والمعلمين والعمّال والفلاحين. في هذا البلد، يتربى الطفل على أن العلم ليس شيئًا نلوّح به فقط، بل هو شيء نعيش من أجله ونموت لأجله إن لزم الأمر.
وما يميز الأردن عن كثير من البلدان، أن علمه لا يُرفع فقط فوق المؤسسات، بل يُرفع فوق الجراح، وفوق الصعوبات، وفوق لقمة العيش لأنه بالنسبة لنا، الوطن ليس قابلًا للتفاوض، والانتماء لا يخضع لمؤشرات الاقتصاد أو حسابات الربح والخسارة.
يوم العلم الأردني هو امتحان وطني يومي، ينجح فيه الأردنيون كل مرة. لا بالكلام، بل بالفعل. لا بالمظاهر، بل بالعمق. فهم لا ينتظرون مناسبة ليُحبوا وطنهم، بل يُجددون هذا الحب كل يوم، بعرقهم، وصبرهم، وثباتهم.
عشت يا علم، راية لا تنكس، ورمزًا لا يُمس، وقصة عشق لا تشيخ.