*
الاحد: 27 نيسان 2025
  • 13 نيسان 2025
  • 14:45
بعوضة في بنك دولي
الكاتب: زهير الشرمان

بقلم من يرى في طنين الحشرات ما لا تراه كبرى شركات تدقيق الحسابات...

في قاعة اجتماعات فارهة، تتدلى من سقفها ثريات تساوي ميزانيات دول، اجتمع كبار الحيتان والأسماك الهامورية الاقتصادية.

على الطاولة تقارير، رسوم بيانية، شاشات عملاقة تستعرض معدلات النمو، نسب التضخم، والديون السيادية.

وفي الزاوية جلست بعوضة صغيرة، نحيلة، لا تملك حسابا بنكيا، ولا ترتدي ربطة عنق، لكنها كانت تصغي وتسجل في ذاكرتها الطنانة كل ما يقال خلف الكواليس.

نهض حوت اقتصادي ضخم وقال:
"الدول النامية بحاجة إلى ضخ السيولة وبرامج إصلاح شاملة."

ضحك السمك الكبير وهز الجميع رؤوسهم موافقة.

أما البعوضة، فرفعت جناحها الصغير وسألت بأدب:
"سيدي، هل تشمل هذه الإصلاحات تقليص وجبة المواطن؟"

خيم الصمت على القاعة، لكن البعوضة واصلت  الحديث بثبات:

"حين تقولون ترشيد الدعم، أتعنون أن الطفل لن يجد حليبا؟
وحين تقولون تحرير العملة، أتعنون أن المعلم سيحتاج إلى ثلاث وظائف؟
وحين تتحدثون عن قروض إنقاذ، لماذا القرض دائما ينقذ البنك، ويترك الدول والمواطن يغرقون في الدين؟"

أسئلة كهذه لا تجرؤ حتى الميكروفونات على ترديدها أمام من يعتقدون أنهم كبار،

ضحك أحدهم باستخفاف وقال:
"أنت بعوضة صغيرة على فهم الاقتصاد العالمي الحديث."

ابتسمت وقالت:
"ربما... لكنني أعيش في بيوت الذين تطحنهم معادلاتكم،
أحط على جباههم المتعرقة من قسوة الفواتير،
أصغي إلى تنهداتهم كلما خيم الظلام بانقطاع التيار عن بيوتهم،
أرى دموع الأمهات تنسكب على أحلام أطفالهن التي وئدت قبل أن تولد،
وأعرف أنكم تخافون طنيننا أكثر من تقاريركم،
لأن صوتي الصغير قد يوقظ ضميرا نائما في ركام الأرباح."

استاؤوا جميعا،
قالوا: أنت تحرضين،
قالت : بل أذكر،
قالوا: أنت تبالغين،
قالت: بل أنقل الواقع.

حاول أحدهم رشها بالمبيد...
لكنها طارت،
واختبأت بين أوراق النقد.
فلم يروها بعدها.

لكن...
مع كل صفقة مشبوهة،
كان طنين خافت يتسلل في الظل،
يربك الأرقام ويعكر صفو الأرباح.

مواضيع قد تعجبك