*
الاربعاء: 16 نيسان 2025
  • 12 نيسان 2025
  • 19:59
نحو قيم إدارية عادلة: في التقييم العقاري
الكاتب: الدكتور غسان عذاربة

تُعدّ القيمة الإدارية للعقارات إحدى الركائز الأساسية في عمليات التخطيط العمراني والتنظيم الإقليمي، حيث تؤدي دورًا محوريًا في تقدير الضرائب والرسوم، وتوجيه الاستثمارات، وتحقيق التنمية المستدامة. ومع ذلك، لا يزال النظام الحالي لتحديد القيم الإدارية في دائرة الأراضي والمساحة يعاني من العديد من التشوهات وعدم الدقة، مما يؤثر سلبًا على العدالة في توزيع هذه القيم، ويؤدي إلى تفاوتات غير مبررة بين العقارات المختلفة، قد تترتب عليها آثار قانونية واقتصادية غير منصفة.


أهمية القيمة الإدارية في التخطيط والتقييم العقاري


تُحدَّد القيمة الإدارية وفقًا لعوامل متعددة، تشمل الموقع، والاستخدام، والتخطيط التنظيمي، والخدمات المتاحة في المنطقة، بالإضافة إلى عوامل أخرى مؤثرة، مثل العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والسياسية وغيرها. غير أن غياب معايير دقيقة ومنهجية واضحة لتحديد هذه القيم أدى إلى تفاوتات جوهرية، حيث تم تقدير بعض المناطق بأقل من قيمتها الفعلية، في حين تم تحديد قيم لمناطق أخرى بمبالغ مرتفعة لا تعكس واقعها الحقيقي.


يستوجب هذا الوضع وضع حلول فعالة تضمن عدالة التوزيع، وتعزز الشفافية والمصداقية في عملية التقييم، وتحدّ من التباينات التي تؤثر على السوق العقاري، بما ينعكس إيجابًا على المستثمرين  والمعنيين والمواطنين على حد سواء.


التحديات الحالية في نظام تحديد القيم الإدارية


يواجه النظام الحالي عدة تحديات تعيق تحقيق العدالة في التقييم، من أبرزها:


1.غياب المعايير الدقيقة والموحدة: لا يوجد إطار واضح ومحدد لكيفية احتساب القيم الإدارية، مما يؤدي إلى تفاوتات في التقييم بين المناطق المختلفة.


2.ضعف الكفاءة لدى البعض: تعاني عمليات التقدير من نقص في التأهيل المستمر والتدريب المتخصص وفقًا للمفاهيم العلمية العالمية في مجال التقييم العقاري. وعلى الرغم من الادعاء بتطبيق معايير عالمية على المستوى المحلي، إلا أن الواقع يكشف عن فجوات كبيرة في المعرفة والتطبيق لدى بعض المعنيين بهذا المجال. وقد أثبتت بعض التجارب المتخصصة في مؤسساتنا المختلفة وجود نقص في الإلمام الكافي بالأسس العلمية الدقيقة لعمليات التقييم العقاري على المستوى المحلي، مما ينعكس سلبًا على دقة وعدالة القيم الإدارية المحددة.


3.عدم إشراك أصحاب الكفاءة من الجهات ذات العلاقة:


تعتمد عمليات التقييم غالبًا على جهات حكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، والجهات المهنية المتخصصة، إلا أن عدم إشراك الكفاءات والخبرات العلمية الدقيقة من هذه الجهات يؤثر سلبًا على دقة التقييمات. في بعض الحالات، يتم الاختيار بناءً على المجاملات أو العلاقات الشخصية، بدلًا من الاعتماد على أسس واضحة ومنهجيات تضمن اختيار الأكفأ وفقًا لمعايير محددة تميّز بين المؤهل وغير المؤهل.


4.محدودية نطاق عمليات تحديد القيم الإدارية:


لا تزال عمليات تحديد القيم الإدارية وتعيين المعنيين بهذه المهمة محصورة في نطاق إداري ضيق على المستويين العام والخاص، دون مراعاة الحاجة إلى وضع قيم دقيقة تستند إلى تحليلات السوق والمعايير العقارية العالمية والمحلية. وبدلًا من تبنّي معايير علمية دقيقة، يتم غالبًا الاعتماد على تقديرات سطحية تفتقر إلى الأسس العلمية والبيانات التحليلية، مما ينعكس سلبًا على شفافية ودقة القيم الإدارية المحددة.


5. التفاوت بين المناطق وعدم مراعاة التغيرات السوقية:


في بعض الحالات، يتم تحديد القيم الإدارية دون تحديثها بشكل دوري، مما يؤدي إلى فجوات كبيرة بين القيم المقدرة والقيم السوقية الفعلية. كما أن هناك العديد من التجارب الناجحة في الدول المتقدمة التي وضعت أنظمة تقييم شفافة وفعالة، غير أن هذه التجارب لم تُطبَّق بالشكل الكافي في الأردن، مما أدى إلى استمرار المشكلات القائمة.


ثانيا : الحلول المقترحة لتحقيق العدالة في توزيع القيم الإدارية


لمعالجة هذه التحديات، يمكن تبني مجموعة من الحلول العملية التي تضمن تحقيق الدقة والشفافية في توزيع القيم الإدارية، ومن أبرزها:


1.تشكيل لجان مختصة من القطاعين العام والخاص : يتم تشكيل لجان متخصصة تضم ممثلين عن كل من القطاع العام والقطاع الخاص، بحيث تكون مسؤولة عن إعداد قيم إدارية دقيقة لكل قطعة أرض وفقًا لمعايير واضحة وموضوعية. وبكفاءات متدربة ومختصة بعلم التقييم . 


2.إعداد القيم الإدارية على مستوى الأقاليم : بدلاً من الاعتماد على تقديرات عامة، يتم تحديد القيم الإدارية بناءً على التخطيط والتنظيم لكل منطقة على مستوى الإقليم، مما يضمن دقة أكبر في التقييم. من خلال تلك اللجان المؤهلة والمتدربة وفقا لاسس ومنهجيات علمية دقيقة 


3.الاستفادة من التجارب العالمية والإقليمية :يُستفاد من التجارب الناجحة في الدول المتقدمة والأنظمة الإقليمية المشابهة، لضمان تبني أفضل الممارسات في تحديد القيم الإدارية. وعلى كل عضو في مثل هذه اللجان ان يعد تقريرا على ثلاثة مقارنات في هذا المجال وعرضها ومناقشتها مع الاعضاء للحصول على تغذية راجعة مهمة تساهم في بناء قيم ادارية دقيقة وشفافة 


4.تعزيز دور القطاع الخاص في عملية التقييم : للقطاع الخاص دور محوري في تحقيق العدالة في توزيع القيم الإدارية، حيث يجب أن يكون له دور فعّال من خلال: كفاءات تلك الجهات وان تخضع لشروط دقيقة وصحيحة وفقا لافضل الممارسات العالمية وان تكون تلك اللجان مشهود لها بعمليات التقدير بكفاءة عالية  وان يكون المشاركين من ذوي الخبرات العلمية والميدانية المتميزة 


5.تعزيز الشراكة مع القطاع العام


إلى جانب دور القطاع الخاص، لا بد من تكامل الجهود مع الجهات الحكومية المعنية، مثل:


•البلديات.


•أمانة عمان الكبرى.


•الجهات التنظيمية والتشريعية ذات العلاقة.


ويكون ذلك من خلال إنشاء آليات تعاون واضحة، تعتمد على الشفافية والمحاسبة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.


إن تحقيق العدالة في توزيع القيمة الإدارية يتطلب إصلاحات جوهرية في آليات التقييم، عبر تشكيل لجان مختصة، وتحديد القيم الإدارية على مستوى الأقاليم، والاستفادة من التجارب العالمية، وتعزيز دور القطاع الخاص بالتوازي مع دور الجهات الحكومية. إن تبنّي هذه الحلول سيؤدي إلى نظام أكثر دقة وشفافية، يحقق العدالة لجميع الأطراف، ويعزز مناخ الاستثمار والتنمية المستدامة. ولنا في الحلقة القادمة بعون الله مقارنات عالمية وإقليمية في تحديد قيم الأراضي: دروس مستفادة . 


 

مواضيع قد تعجبك

مواضيع قد تعجبك