خبرني - الثقافة هي مرآة الأمة، وتاريخها الطويل الممتد عبر الزمان، الذي يروي حكايات الشعب وقيمه وأحلامه. هي الحاضنة التي تؤطر هويتها وتحفظ تراثها وتفتح أمامها أبواب المستقبل. ومن هنا تأتي أهمية "صندوق دعم الفكر والثقافة والفنون" ليس كترف إداري، بل كضرورة وطنية تمثل حجر الزاوية في بناء أمة قادرة على الحفاظ على هويتها وتراثها ولغتها ، ومن ثم الانطلاق نحو آفاق جديدة من التقدم والازدهار.
إن الثقافة ليست مجرد عادات وتقاليد قديمة أو كلمات تقال هنا وهناك، بل هي شبكة معقدة من القيم والأفكار التي تشكل ملامح هوية الأمة. نحن أمة تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من الحضارات المتنوعة التي ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية عبر العصور. من خلال علومنا وفنوننا وآدابنا، قدمنا للعالم مساهمات في مختلف المجالات، من الرياضيات والفلك إلى الفلسفة والفن. الهوية الثقافية هي البوصلة التي تحدد اتجاه الأمة، وهي التي تحفظ توازنها في عالم سريع التغير. أمة بلا هوية، هي أمة ضائعة؛ فكلما ضعفت الثقافة، كلما ضاعت المعالم المميزة لهذه الأمة في بحر من التحديات والضغوط العالمية. ونحن في الأردن، مثل غيرنا من الأمم، نتمتع بهوية ثقافية غنية تأخذ جذورها من تاريخنا العميق، ومع ذلك، فإن حماية هذه الهوية تتطلب جهدًا مشتركًا من جميع القطاعات الوطنية.
إن الفعل الثقافي هو بمثابة البوصلة التي توجه الأمة نحو المستقبل، فهو أداة تعليمية وفكرية تساهم في تشكيل الوعي الجمعي لدى الأفراد. الفنون والثقافة لا تقتصر على التسلية والترفيه، بل هي أدوات هامة للتعبير عن القيم الإنسانية، وتوجيه الشباب نحو فهم أعمق للعالم من حولهم. الفكر والفن هما اللذان يعكسان تطلعات الأمة وأحلامها، وهما القوى التي تحفز التغيير والتجديد. فالفن هو الذي يعكس واقعنا ويسلط الضوء على تحدياتنا، والفكر هو الذي يخلق الحلول ويطرح الأسئلة التي تدفعنا إلى التفكير والنقد والتطوير. وعليه، فإن الفعل الثقافي يلعب دورًا محوريًا في رفع مستوى الوعي الوطني والاجتماعي، ويدفع عجلة التنمية والابتكار، مما يساهم في تعزيز قدرة الأمة على التكيف مع متطلبات العصر.
من هنا تبرز أهمية تأسيس "صندوق دعم الفكر والثقافة والفنون"، الذي يمثل خطوة هامة نحو ترسيخ ثقافتنا الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية في جميع أبعادها. هذا الصندوق يمثل استثمارًا حقيقيًا في المستقبل، حيث يقدم الدعم للمبدعين والفنانين والمثقفين من جميع المجالات، سواء في الأدب أو الفنون التشكيلية أو المسرح أو السينما. ومن خلاله، يتم تشجيع الشباب على التعبير عن أنفسهم واكتشاف مهاراتهم في بيئة تحفز الإبداع وتوفر لهم الموارد اللازمة للظهور والإنتاج.
لكن هذا الصندوق لا يمكن أن يحقق أهدافه إلا إذا كان هناك شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص. فالدولة بمؤسساتها يمكن أن توفر الإطار القانوني والمالي، بينما يساهم القطاع الخاص، بما في ذلك الشركات التجارية والمستثمرين، في دعم هذه المبادرات من خلال التمويل والرعاية. يجب أن يكون هناك فهم مشترك لدى الجميع بأن دعم الثقافة والفنون ليس عبئًا ماليًا، بل استثمارًا في المستقبل، وفي بناء عقلية الأمة وقدرتها على التفكير النقدي والتجديد.
إن الثقافة والفنون ليست مسئولية الحكومة فقط، بل هي مسؤولية الجميع، وأحد الأدوار الهامة التي يجب أن يلعبها القطاع الخاص. الشركات التجارية والمؤسسات الخاصة ليست بعيدة عن المساهمة في البناء الثقافي، بل يمكنها أن تكون شركاء أساسيين في هذا المجال. من خلال رعاية الفعاليات الثقافية والمساهمة في تمويل المشاريع الفنية والفكرية، يمكن للقطاع الخاص أن يعزز ارتباطه بالمجتمع، ويحقق في الوقت نفسه عوائد اجتماعية وقيمًا ثقافية تساهم في تقدم الأمة. إن دعم القطاع الخاص للفنون والثقافة لا يقتصر على التمويل فقط، بل يشمل أيضًا تقديم الخبرات الإدارية والتسويقية التي تساهم في إيصال المنتج الثقافي إلى الجمهور الأوسع. فالمؤسسات الخاصة قادرة على استخدام أساليب مبتكرة للتسويق والانتشار، مما يزيد من تأثير الفعل الثقافي في المجتمع.
إن "صندوق دعم الفكر والثقافة والفنون" ليس مجرد ترف إداري أو مبادرة شكلية، بل هو ضرورة وطنية حيوية تهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية للأمة، والحفاظ على تراثها، وتوجيه شبابها نحو المستقبل. من خلال هذا الصندوق، يمكننا تحقيق تنمية ثقافية حقيقية، تستفيد منها كافة قطاعات المجتمع، من خلال إشراك القطاع الخاص في رعاية وتطوير المشاريع الثقافية والفنية. الثقافة والفكر هما المحرك الأساسي لأي أمة تسعى للتميز والازدهار، ومن خلال هذا الدعم الوطني، يمكننا بناء أمة قادرة على مواجهة تحديات عولمة العصر مع الحفاظ على هويتها الثقافية وتاريخها العريق