يشكّل "العقل الجمعي الأردني السياسي" منظومةً من الآراء والتوجهات والمخاوف المشتركة التي تُشكّل رؤية الجمهور للأحداث والسياسات، خاصة في ظل التحديات المحلية والإقليميةكما يشير مصطلح "التحليل السياسي الشعبي في العقل الجمعي الأردني" يشير إلى الطريقة التي يُفكّر بها عامة الناس في الأردن في الشؤون السياسية، وكيف تُبنى التصورات والتحليلات السياسية في أوساط غير النخب، بناءً على الثقافة السائدة، والتجربة التاريخية، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. كما يشير "التحليل السياسي الشعبي" إلى الطريقة التي يتناول بها الناس الشؤون السياسية في حياتهم اليومية من خلال تبادل الآراء والملاحظات الشخصية حول الأحداث والظواهر السياسية. ويشير أيضاً إلى الممارسات التحليلية التي يقوم بها عامة الناس أو غير المتخصصين في المجال السياسي، والتي تعتمد غالبًا على الآراء الشخصية والخبرات اليومية بدلًا من المنهجيات العلمية أو الأكاديمية. يتميز هذا النوع من التحليل بانتشاره الواسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية غير الرسمية، لكنه يواجه انتقادات بسبب افتقاره أحيانًا للدقة والموضوعية. فيما يلي أبرز خصائصه وتحدياته:
ويمكن تلخيص خصائص هذا النوع من التحليل في عدة نقاط:
1. طبيعة التحليل
ـ غير رسمي وشخصي: يعتمد التحليل السياسي الشعبي على التجارب الشخصية والانطباعات الذاتية للأفراد بدلاً من المنهجيات الأكاديمية أو العلمية.
- عاطفي وانحيازي: كثيراً ما يكون هذا التحليل مشبعاً بالمشاعر والعواطف، ويتأثر بالانتماءات الدينية والطائفية والقومية أو الحزبية. والاعتماد على الآراء الشخصية والعواطف غالبًا ما يغلب على التحليل السياسي الشعبي الطابع الذاتي، حيث يندفع الأفراد لتفسير الأحداث بناءً على انتماءاتهم الأيديولوجية أو مشاعرهم، دون اعتماد على بيانات موثوقة أو تحليل منطقي. وهذا يتناقض مع التحليل المتخصص الذي يركز على الحيادية وتجنب الانحياز العاطفي
ـ التركيز على الأحداث اليومية دون الرؤية الشاملة
يشبه التحليل الشعبي "الشخص في قارب النهر" الذي يركز على الانعطافات القريبة دون رؤية الاتجاه العام، بينما يركز المحترفون على الربط بين الأحداث وتحديد الاتجاهات طويلة المدى عبر تحليل العوامل التاريخية والاقتصادية ضمن منهجية معروفة في مناهج التحليل السياسي
2. مصادر المعلومات
- وسائل الإعلام التقليدية والرقمية: تلعب القنوات التلفزيونية والإذاعية بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في تشكيل الرأي الشعبي، حيث تنتقل الأخبار والمعلومات بسرعة، مما يتيح للناس إعادة صياغتها بطرق تتناسب مع واقعهم ومعتقداتهم.
-المقاهي والاجتماعات الاجتماعية: تُعتبر النقاشات غير الرسمية في المقاهي والمنتديات العامة وسيلة رئيسية لنشر التحليل السياسي بين أفراد المجتمع.
ـ كثيرًا ما يتبنى الأفراد أفكارًا نمطية تروجها وسائل الإعلام ذات الأجندات السياسية، مما يؤدي إلى تشويه الرؤية التحليلية. في المقابل، يشدد التحليل المهني على ضرورة التحقق من المصادر وتجنب التضليل
3. آليات التفسير
- التبسيط والتعميم: يميل التحليل الشعبي إلى تبسيط القضايا المعقدة عبر تعميم بعض الظواهر أو الأحداث لتتناسب مع الفهم الجماعي، مما قد يؤدي إلى استنتاجات سريعة دون استيفاء كل التفاصيل.
-الرمزية والقصص: كثيراً ما يستخدم الناس رموزاً وقصصاً ذات دلالات ثقافية وتاريخية لتفسير الأحداث السياسية، مما يجعل التحليل أكثر قرباً للفهم الشعبي لكنه قد يفتقر إلى الدقة العلمية.
-غياب المنهجية العلمية
يتميز التحليل السياسي الأكاديمي باتباع منهجيات محددة، مثل دراسة التاريخ والسياقات الاجتماعية والاقتصادية، بينما يعتمد التحليل الشعبي على معلومات سطحية أو متفرقة. فمثلًا، تحليل الأحداث التركية يتطلب معرفة بلغتها وتاريخها، وهو ما قد يغيب في التحليل الشعبي
4. الدوافع والأهداف
- فهم الواقع وتأويله: يسعى الأفراد من خلال هذا النوع من التحليل إلى استيعاب التغييرات السياسية التي تؤثر على حياتهم اليومية وتفسيرها بما يتماشى مع تجاربهم الخاصة.
-التأثير والمشاركة: في ظل غياب أو ضعف المناهج الرسمية في بعض الدول، يصبح التحليل السياسي الشعبي وسيلة للتعبير عن الرأي ومحاولة التأثير في السياسات العامة، حتى وإن كان ذلك في إطار النقاش غير الرسمي.
-انتشاره كـ "مهنة من لا مهنة له"
تحول التحليل السياسي إلى مجال يمارسه غير المتخصصين، مثل بعض الإعلاميين الذين يقدمون آراءً غير مدعومة بمعرفة علمية، مما يؤثر على جودة المحتوى ويُضلل الرأي العام .
ـ التأثير على الرأي العام
رغم محدودية دقته، يلعب التحليل الشعبي دورًا في تشكيل الوعي الجمعي، خاصةً مع سرعة انتشاره عبر المنصات الرقمية. لكنه قد يساهم في تعزيز الشائعات أو التفسيرات المُضللة إذا لم يُراجَع من قبل جهات موثوقة .
5 . التحديات والانتقادات
-قلة الدقة والتحقق: نظراً لاعتماده على المشاعر والآراء الشخصية، قد يفتقر التحليل الشعبي إلى الدقة أو التحليل النقدي المنهجي، مما يؤدي إلى انتشار شائعات أو تحليلات سطحية.
-التأثر بالمصالح السياسية: غالباً ما تتداخل التحليلات مع مصالح ومواقف سياسية محددة، مما يجعلها في بعض الأحيان وسيلة للدعاية أو التحيز بدلاً من تقديم صورة موضوعية عن الواقع
وظائفه في المجتمع:
-تنفيس سياسي: التحليل الشعبي يُستخدم كأداة تنفيس عن الإحباط وعدم الرضا، وهو بديل للنشاط السياسي المنظم.
ـوسيلة رمزية: من خلال النقد اللاذع والسخرية، يعبّر الناس عن رفضهم دون مواجهة مباشرة.
ـ بناء وعي بديل: رغم بساطته، يمكن للتحليل الشعبي أن يُنتج وعيًا سياسيًا بديلًا للنخب، ويؤثر على المزاج العام.
التحديات:
غياب الوعي المؤسسي: التحليل الشعبي لا يرتكز غالبًا على فهم للقرار السياسي، مما يجعله عرضة للتضليل.
تأثير الشائعات: ضعف المعلومة الرسمية يغذي الشك، ما يجعل التحليل الشعبي أحيانًا بيئة خصبة للإشاعة.
ضعف المشاركة السياسية: رغم الاهتمام العالي بالسياسة، لا ينعكس ذلك في المشاركة الحزبية أو الانتخابات.
خاتمة
على الرغم من محدودياته، يُظهر التحليل السياسي الشعبي أهمية دور الأفراد في فهم وتفسير الأحداث السياسية في المجتمع العربي والأردني خصوصاً. فهو يعكس بشكل مباشر تجارب الناس اليومية ويعبر عن روح العصر والمشاعر الجماعية، مما يجعله عنصراً هاماً يجب أخذه بعين الاعتبار إلى جانب التحليل الأكاديمي والسياسي الرسمي.