الحلقات التي اجراها"تلفزيون العربي اليوم" مع الغارق في الصدق والوعي الوطني والقومي، "دولة"أحمد عبيدات، تعد من أهم وأصدق وأجمل اللقاءات الإعلامية، وأرى أنه فات الكثير على اردنيين وعرب، ممن لم يتابعوا هذه الحلقات.
رجل حرق كل المراحل التي تولى فيها الوظيفة والمسؤولية، سواء بنظافته وموضوعيته وفكره، أو بشجاعته وهدوئه ونقاء سريرته، وجميعها جعلته رمزاً وطنياً عروبياً بامتياز، ولكنه يرى الأردن بدراً بين اثنين وعشرين كوكباً.
دائرة المخابرات التي قادها عبيدات، وكان أحد أبنائها ومؤسسيها، تقوم في عملها على "الضمير" قبل "القانون"، كما يرى هو في هذا العمل، وكذلك رئاسة الوزراء ، فهي الولاية والنظافة.
هما من أهم مؤسسات الدولة التي لا يروق لمواطن إلا أن يضع من يتولاهما أو أياً منهما، في موقعي الاتهام، حتى وإن كانت هذه القيادة، أو تلك، يقودها شخص تربطه مع المواطن رابطة القربى أو المناطقية أو العلاقة الشخصية.
على أن مواقف عبيدات طوال رحلته الطويلة لم تتغير في الشأن المدني، فقد عُرف عنه بالاستقامة الوظيفية ونظافة اليد، وأن الكلام الذي قيل عن جهاز المخابرات في عهده، لم يستند إلى حقيقة، وقد أكدت هذه الدائره تمّيزها عن الدوائر في الدول الأخرى، حسب قوله لمحاوره الصحفي بدر الدين الصائغ.
في الشأن السياسي، فقد أثبتت الأحداث صدقية ورؤيته الاستشرافية، وما عارض فيه "أبو ثامر"، وعلى وجه الخصوص، السلام مع العدو الصهيوني، من قبل مصر وفلسطين والأردن، وأن هذا العدو لا يريد السلام، حتى أنه وُصف في الداخل والخارج بـ "رجل الدولة المعارض"، والصحيح، بالمعارض لبعض السياسات، والمنحاز إلى الثوابت الوطنية والدستور.
وبالتالي فإن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تنكيل وترحيل للفلسطينيين، وصولاً إلى إبادة أهل غزة، كلها نتائج تؤكد أن عبيدات كان على حق، في رؤيته المسبقة لهذا السلام.
سيل الأسئلة المهنية وسقفها المرتفع لم يكتملا مهنياً لإقناع المشاهد لو لم يكن عبيدات بهذه المصداقية والشجاعة الوجدانية والثقة التي استوطنت في ذهنية الأردنيين عنه وكل من عرفه واختلف معه، فهو لا يعرف تجميل وتزييف الحقائق، حتى أنه يصف قول الحقيقة بـ"المُرّة" .
عبيدات قدّم الأردن مثالاً متميزاً، وحتى لا اقول متفرداً، عن بقية كثير من الدول، التي عادة ما تدّعي بالديمقراطية، قدّم الأردن برجالاته وبالجيش وجهاز المخابرات، ولم يقدم نفسه إلا موظفاً أو مسؤولاً، وهذا لتواضعه وأمانته التي حملها تجاه وطنه وأُمته.
في مناسبة لإشهار حزب الشراكة والإنقاذ قبل سنوات- لم يُكتب للحزب المشاركة وتم حله لاحقا- كان عبيدات ألقى كلمة ، شن فيها هجوماً منتقداً العمل السياسي والعمل الحزبي في الأردن، محذراً، أيضاً، الحزب الذي رعى حفل افتتاحه،"تتأسس احزاب جديدة على فشل سياسات احزاب سبقتها، متسائلاً : ماذا اعددتم من برامج للمواطن الأردني "؟!.
في تلك المناسبة، دنوت من هذه القامة الوطنية، وعلى غير معرفة بي، مكتفياً بذكر اسمي، ودون الإفصاح عن المهنة، وخلال تلك الوقفة معه خارج القاعة، كان سؤالي: دولتك لماذا انت غائب عما يجري في الأردن من أحداث؟
كان ردّه عفوياً: "أنا كنت في رحلة اجراء عملية في ظهري، الاولى، في ألمانيا وفشلت، والثانية في أميركا، ونجحت والحمد لله".
ولحساسيته المفرطة في عدائه للفساد، استدرك قائلاً:" للعلم، تكاليف العمليتين على حسابي الخاص، ولم أُكلف الدولة فلساً واحداً".
تمنيت لو أن جميع قنوات التلفزة الأردنية والعربية والدولية، نقلت تلك الحلقات الضائعة، ليعرف الأردنيون والعرب وغيرهم في العالم، كم هذا البلد مظلوماً؟!
أما لمشروعية السؤال، فأقول: دلّوني على مسؤول واحد، في أي وظيفة قيادية، يقدم على اجراء عملية في الداخل والخارج، ويدفع من جيبه الخاص؟!.