يعد النظام الذي أقرته الحكومة مؤخراً في شهر شباط، تحت اسم "نظام التنظيم الجيد وتقييم أثر التشريعات و السياسات" و الصادر بمقتضى المادة 120 من الدستور الأردني، فرصة مهمة في تناسق العمل الحكومي ومدخل للعمل على مبادئ المشاركة المجتمعية في عملية اتخاذ القرار وقياس الأثر بما يخلق حالة جديدة من الملكية الفردية لقرارات عامة والتي بدورها تعزز من المسؤولية و الانتماء و الشعور بالعدالة و الاستقرار عند المواطن.
في حين أن مراكز دعم اتخاذ القرار تعد تطبيقاً مهماً في عالم الإدارة و العلوم السياسية، فهنالك العديد من الدول العربية والأجنبية قامت بتطبيقها بمختلف المهام و الهيكليات والأنظمة التشريعية و النظريات الداعمة، يمكن أن يؤدي تبنّي هذه المركز استناداً إلى "نظام التنظيم الجيد" استثماراً جديداً في قدرة الأردنيين على إدارة المعلومات و كفاءة البيانات في اتخاذ القرار الحكومي و التشريعي أيضاً في الأردن، و الذي يلامس الناس يوماً بيوم، من اتخاذ قرار عطلة ما! تقديم أو تأخير ساعة! أسعار السلع! رؤية الهلال! تعديل مادة قانونية! تحديد موعد إغلاق المحال التجارية! وتطول القائمة من القرارات التي تمس حياة المواطنين بشكل يومي.
يمكن لهذا المركز أن يحمل صبغة مستقلة، بحيث يعتبر عابراً لجميع الوزارات و الجهات الحكومية و مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي، و يجمع دورياً مجموعة من الإجابات و يطرح مجموعة جديدة من الأسئلة، يوثقها و يحللها و يفهمها و يبحث فيها عن تكرارات ملفتة (Patterns) ليساعد صناع القرار في أدق مهام المسؤول، بحيث تصبح أقرب لقرارات مستدامة، شمولية، منطقية بدل الاعتماد كلياً على نماذج العصف الذهني أو الاستعانة في خبراء لحظيين، أو حتى العودة إلى ممارسات و قرارات سابقة قد تختلف فيها السياقات و الاحتياج و الأثر المرجو والتي قد تفتقر للمعلومات المهمة والمحورية في ذلك الوقت.
وتعزيزاً لدور المركز البحثي، يمكن أن ينظم ذلك المركز جهداً ضمن أروقة الجامعات و مراكز البحوث و يستقبل الخبراء و الدارسين لأنماط التغيير في المجتمع و اتخاذ القرار بشكل دوري، في حين يدرك في وصفه خصوصية بعض القرارات السياسية التي تتأثر بعوامل خارجية و داخلية أخرى، و في نفس الوقت يبني تدريجياً نموذجاً علمياً أردنياً لعملية اتخاذ القرار السياساتي بمساهمة باحثين أردنيين و أجانب متميزين في هذا المجال، يضيفون أبعاد الأبحاث المستقبلية، و نماذج اذكاء الاصطناعي و البيانات (Big Data) في التنبؤ و دراسة الاحتمالات، ومبادئ المشاركة المجتمعية في عملية اتخاذ القرار بما يخلق حالة جديدة من الملكية الفردية لقرارات عامة والتي تخلق المزيد من المسؤولية و الانتماء و الشعور بالعدالة و الاستقرار.
فكرة تحتاج المزيد من التطوير و الرؤية بعيدة الأمد، و البدء بها الآن يعد استثماراً للأجيال القادمة بحيث يصبح مرجعاً وطنياً في دعم اتخاذ القرار و صنع السياسات المستدامة العابرة للحكومات و المستجيبة لتغيرات المجتمع.