لأن هيبة الدولة هي الضامن الأساسي لوجود الدول واستقرار شعوبها، لا بد من فرضها بكل حزم وبلا تهاون وعلى الجميع دون استثناء.
ولضمان المحافظة على هذه الهيبة نحتاج إلى ثقافة ثاقبة ومنهج فكري مرن متفهم لمتطلبات جميع الأطياف ومراعٍ لأغلب التوجهات.
يُعتبر المواطنون في أي دولة من دول العالم سواسية كأسنان المشط، متساوين في الحقوق والواجبات، حيث لكل شعب إرادته وعزيمته التي يفرضها على سياسات الدولة وتعليماتها.
فالشعوب كثيرة هي التي ضربت أروع الأمثلة لاسترداد حقوقها وثباتها على المبادئ وقوة الإرادة، ووصلت إلى بسط رأيها وأجبرت جميع مكونات الدولة على الالتزام به وبما يخدم المصلحة العليا للدولة.
إن مفهوم هيبة الدولة وكيفية ترسيخه في أذهان المواطنين لا يكون إلا عبر تطبيق الدستور على الجميع وترسيخ سيادة القانون، وتُنتقد محاولات الحكومات في بلدان العالم فرض هيبة الدولة باستخدام أساليب القمع والقوة المفرطة ومخالفتها لإرادة الشعوب.
نعم، للدولة هيبة تتمثل في فرض القانون والنظام العام ومنع المواطن من تجاوزهما، لأنه ليس من حق الفرد أن يتمرد على الدولة ويخرج إلى الشارع، أو يدمر الممتلكات العامة والخاصة من دون حسيب أو رقيب، والهيبة هنا تعني أن تُدير الدولة المجتمع وتحتكر السلطة والسلاح.
لكن من المعروف أن الدولة تتكون من حكومة ومؤسسات دستورية، من مجلس الأمة، برلمان، إلى أحزاب، إلى نقابات، إلى مؤسسات مجتمع مدني، وإلى إعلام، كلها تتعاضد من أجل أمن وسلامة البلد ورفعته. وفي ذات الوقت، لا مصلحة لأي فرد أو جماعة في تراجع الثقة بالدولة ومؤسساتها، لأن في ذلك خطرًا عليهم وتهديدًا لمستقبلهم.
وما يجري اليوم في فلسطين وقطاع غزة من قتل ودمار ومجازر وهدم للمنازل وتهجير من قبل العدو الغاشم، وما يقابله من إصرار على المقاومة واسترداد الكرامة، فإنما يدل على أنه لا حل مع عدو مجرم سوى بفرض إرادة الشعب وانتزاع حقوقه.
إن هيبة الدولة لا تتأتى لوحدها، وإن كانت باستخدام جميع الوسائل والمعدات والسياسات، إلا بمصاحبة إرادة الشعوب وفرض سيطرتها، والأهم من ذلك الوعي المجتمعي لتلك الشعوب وإدراكها للمخاطر المحيطة.
ومن يظن أن هيبة الدولة تتقدم على إرادة الشعب فهو واهم، لأن المصطلحين مكملان لبعضهما البعض، وإذا كان التسلسل في الأولويات، سبقت إرادة الشعب هيبة الدولة.
وفي نهاية الأمر، فإننا نحتاج إلى تماسك جبهتنا الداخلية والتفاف أبناء مجتمعنا بكافة أطيافه، لأن هذا التماسك والالتفاف هما من يجعلان طرفي المعادلة (المواطن والحكومة) في خندق واحد، وهما الضامنان للوصول بالوطن إلى بر الأمان.
حمى الله الوطن وقائد الوطن وشعبه من كل سوء.