في خطوة مفاجئة تعيد تشكيل موازين القوى في الاقتصاد العالمي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن فرض تعريفات جمركية جديدة على الواردات، بما في ذلك تلك القادمة من الصين ودول آسيوية أخرى مثل فيتنام وتايلاند في محاولة للحد من العجز التجاري الأمريكي وإعادة هيكلة سلاسل التوريد لصالح المصانع والشركات المحلية في الولايات المتحدة. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء اقتصادي، بل كانت بمثابة إعادة رسم لخريطة التجارة العالمية وخاصة في قطاع التكنولوجيا، إذ تسببت في زعزعة استقرار سلاسل التوريد العالمية ودفع الشركات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الإنتاجية والاستثمارية.
الصين، التي تعد المصنع الأكبر للتكنولوجيا عالميًا، لم تقف مكتوفة الأيدي بل سارعت إلى فرض تعريفات انتقامية على المنتجات الأمريكية، بما في ذلك المكونات الإلكترونية والمنتجات التكنولوجية، كما أعلنت عن فرض قيود على تصدير المعادن الأرضية النادرة التي تعتبر حيوية لصناعة أشباه الموصلات والهواتف الذكية والمعدات المتطورة، مما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للشركات العالمية التي تعتمد على هذه المواد، ومع تصاعد هذه الحرب التجارية، بدأت الشركات متعددة الجنسيات البحث عن بدائل جديدة لمراكز الإنتاج التقليدية، مما فتح المجال أمام دول مثل الهند وماليزيا والمكسيك لتعزيز دورها كمراكز تصنيع بديلة.
أما بالنسبة للأردن، فإن الصورة تبدو أكثر تعقيدًا، فمن ناحية قد تستفيد الشركات الأردنية التي تعمل في قطاع التكنولوجيا من إعادة توجيه الاستثمارات إلى أسواق بديلة، خاصة مع توجه بعض الشركات الأمريكية إلى البحث عن شركاء جدد بعيدًا عن الصين، ولكن من ناحية أخرى، فإن اعتماد الشركات الأردنية على المعدات والمكونات المستوردة من الولايات المتحدة قد يزيد من تكاليف الإنتاج، مما يشكل تحديًا حقيقيًا أمام القطاع التكنولوجي المحلي.
الأثر الآخر المهم يتمثل في العلاقات التجارية بين الأردن والصين، حيث يعتمد السوق الأردني بشكل كبير على استيراد الإلكترونيات والمعدات التكنولوجية من الصين بأسعار تنافسية، ومع ارتفاع تكاليف التصنيع في الصين بسبب هذه الرسوم الجمركية الجديدة، فإن هذه المنتجات قد تشهد ارتفاعًا في الأسعار، مما قد ينعكس على المستهلك الأردني وعلى قدرة الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا على الحصول على المعدات والبرمجيات بأسعار معقولة، مما يخلق حالة من عدم اليقين حول مستقبل تطور هذا القطاع في المملكة.
وفي ظل هذه التغيرات المتسارعة، قد يكون أمام الأردن فرصة لتعزيز دوره كمركز إقليمي لخدمات تكنولوجيا المعلومات، حيث يمكنه استغلال الوضع الحالي لجذب الاستثمارات في مجال البرمجيات والخدمات التقنية، فمع تصاعد التكاليف في الأسواق الآسيوية التقليدية، قد تجد الشركات الكبرى في الأردن بيئة مناسبة لإنشاء مراكز تطوير برمجيات وخدمات تقنية تقدمها للأسواق العالمية، لا سيما مع توفر الموارد البشرية المؤهلة والبنية التحتية التكنولوجية المتطورة نسبيًا مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
من الناحية السياسية، قد تؤثر هذه التعريفات على التحالفات التجارية العالمية، حيث بدأت العديد من الدول تبحث عن تحالفات اقتصادية جديدة لتعويض الخسائر الناتجة عن التعريفات الأمريكية، فالاتحاد الأوروبي والصين يسعيان الآن إلى تعميق التعاون التجاري فيما بينهما، بينما تحاول دول أخرى في جنوب شرق آسيا تشكيل شراكات اقتصادية جديدة للتقليل من الاعتماد على السوق الأمريكية، وهذا قد يؤثر على الأردن أيضًا من حيث تنويع مصادر الاستيراد والتصدير.
كذلك، فإن هذه السياسات قد تدفع الدول إلى التركيز على الاكتفاء الذاتي في التصنيع، حيث بدأت الولايات المتحدة بالفعل بتوجيه استثمارات كبيرة إلى قطاع تصنيع أشباه الموصلات داخل أراضيها، وهو ما قد يكون له تداعيات على الدول التي تعتمد على التصدير إلى السوق الأمريكية، وإذا استمرت هذه التوجهات، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع العولمة الاقتصادية وظهور أنظمة تجارية إقليمية بديلة قد يكون الأردن جزءًا منها، إما كمستفيد أو كمتضرر، بناءً على استراتيجيته المستقبلية.
ختاماً، يمكن القول إن فرض ترمب لهذه التعريفات الجمركية لا يمثل مجرد إجراء تجاري، بل هو محاولة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وإعادة ترتيب سلاسل التوريد بما يخدم المصالح الأمريكية، ولكن في ظل هذا المشهد الجديد، يواجه الأردن تحدياً يتطلب رؤية استباقية تنتقل به من موقع المتفرج إلى فاعل رئيس في المشهد الاقتصادي الجديد وعليه اتخاذ خطوات استراتيجية لاستغلال الفرص الجديدة وتجنب التداعيات السلبية التي قد تترتب على هذه التغيرات في التجارة العالمية، سواء عبر تعزيز العلاقات التجارية مع الأسواق البديلة أو من خلال التركيز على تطوير صناعات قائمة على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، والاستثمار الاستراتيجي في الحقول المعرفية الواعدة مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وهذا يتطلب تكاملًا بين القطاعين العام والخاص لضمان تحقيق الاستفادة القصوى من التحولات الاقتصادية العالمية.