*
الاربعاء: 26 آذار 2025
  • 26 آذار 2025
  • 03:09
الخطاب الراديكالي: بين تحديات المعارضة ومتطلبات الاستقرار
الكاتب: أحمد طناش شطناوي

تعد العلاقة بين الدولة والمعارضة انعكاسًا لتفاعل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بيئة تتسم بالتغيرات المتسارعة والتحديات المستمرة، ورغم أن النظام السياسي في الدول يقوم على التعددية الحزبية وحرية التعبير، فإن تصاعد الخطاب الراديكالي في بعض الأوساط المعارضة يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه العلاقة، وحدود التفاعل بين الدولة والقوى السياسية المختلفة، ومدى قدرة النظام على استيعاب هذا الخطاب دون أن يتحول إلى عامل تهديد للاستقرار العام.

في الأردن، نشأ الخطاب الراديكالي ضمن سياقات متعددة، فقد ساهمت التحولات الديمقراطية منذ التسعينيات في فتح المجال أمام قوى سياسية جديدة، لكن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وارتفاع معدلات البطالة وضعف الثقة بالمؤسسات الرسمية خلقت بيئة خصبة لظهور خطابات احتجاجية متشددة، فتنوعت أشكال هذا الخطاب بين الأيديولوجي الذي يسعى إلى إعادة هيكلة النظام السياسي وفق رؤى جذرية، والاحتجاجي الذي يعبر عن استياء اجتماعي عميق بسبب التحديات الاقتصادية، والشعبوي الذي يستثمر في المشاعر الجماهيرية ويطرح حلولًا سطحية للمشكلات المعقدة.

لم تكن استجابة الدولة الأردنية لهذا الخطاب واحدة على الدوام، بل اتخذت أشكالًا متعددة وفقًا للسياق السياسي والاجتماعي، فمن جهة سعت الدولة إلى احتواء بعض القوى المعارضة من خلال السماح لها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية والنقابية، بهدف تفكيك خطابها الراديكالي وتحويله إلى خطاب سياسي أكثر اعتدالًا، كما جاءت بعض الإصلاحات القانونية، مثل تحديث قوانين الأحزاب والانتخابات، لمحاولة إعادة هيكلة المشهد السياسي وتقليل جاذبية الخطاب المتطرف، ومن جهة أخرى فقد لجأت الدولة في بعض الحالات إلى فرض قيود قانونية على الخطابات السياسية المتشددة، خاصة عندما تتجاوز الحدود القانونية أو تحرض على الفوضى، وذلك عبر استخدام القوانين المرتبطة بأمن الدولة ومكافحة التطرف والإرهاب.

لكن التعامل مع الخطاب الراديكالي لا يمكن أن يكون محصورًا في الأبعاد السياسية والأمنية فقط، إذ إن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تشكل المحرك الأساسي للكثير من هذه الخطابات، ولذلك أدركت الدولة أن جزءًا من الحل يكمن في تحسين الظروف المعيشية والحد من البطالة وإطلاق مشاريع تنموية تستهدف الفئات الأكثر تأثرًا بالأوضاع الاقتصادية، ومع ذلك لا تزال هذه الجهود تصطدم بتحديات مالية وبنيوية تجعل من الصعب تحقيق تحول سريع في الواقع الاقتصادي.

وتكمن خطورة الخطاب الراديكالي في قدرته على تعميق الانقسامات داخل المجتمع، خاصة عندما يتحول إلى أداة لنشر (أفكار صفرية) لا تؤمن بالحوار أو الحلول الوسط، فبدلًا من أن يكون أداة لإصلاح النظام السياسي، يمكن أن يصبح عامل تأزيم يعطل مسارات التغيير الإيجابي، مما يدفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضبط المجال السياسي، وهنا يصبح التحدي الأساسي هو كيفية تحقيق توازن بين ضمان حرية التعبير والحفاظ على الاستقرار، بحيث لا تتحول المواجهة بين الدولة والمعارضة إلى صراع مفتوح يُضعف الثقة بالمؤسسات ويؤدي إلى مزيد من التوترات.

إن التعامل مع الخطاب الراديكالي يتطلب استراتيجية متكاملة تجمع بين الانفتاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والإجراءات القانونية الرادعة عند الضرورة، فتعزيز قنوات الحوار السياسي يتيح للمعارضة التعبير عن مطالبها ضمن إطار مؤسساتي، مما يقلل من جاذبية الخطاب التصعيدي، كما أن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يحد من الأسباب التي تدفع بعض الفئات إلى تبني رؤى متشددة، وعلى المستوى القانوني، فإن تطوير التشريعات الناظمة للحياة السياسية، بما يضمن بيئة ديمقراطية أكثر انفتاحًا دون تهديد الاستقرار الوطني، يمكن أن يكون أحد الحلول المستدامة.

ويبقى الخطاب الراديكالي في الأردن تحديًا مستمرًا يتطلب معالجة متوازنة تجمع بين الحزم والانفتاح، فلا يمكن السماح بأي خطاب يهدد الاستقرار العام، لكن في المقابل، فإن قمع المعارضة دون تقديم حلول حقيقية لمطالبها قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد، وبالتالي فإن بناء نموذج سياسي يدمج مختلف القوى ضمن إطار الدولة، ويعزز المشاركة الشعبية بطريقة تؤدي إلى إصلاح حقيقي، هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية، وضمان استمرار الأردن كنموذج للاستقرار في منطقة تعج بالتحولات الكبرى.

مواضيع قد تعجبك