إن اهتمام الحكومة بتفعيل دور المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص يمثل خطوة استراتيجية تعكس فهماً عميقاً لديناميكيات الاستقرار السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والضغوط الاقتصادية التي تواجه الدولة الأردنية. فالقطاع الخاص في الأردن ليس مجرد محرك للنمو، بل هو شريك أساسي في ترسيخ التماسك الاجتماعي، وتقليل الفجوة التنموية بين الفئات المختلفة، خصوصًا في ظل حاجة الدولة إلى تنويع مصادر الدعم للخدمات العامة. وعندما تتبنى الحكومة نهجًا يشجع الشركات على الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، فإنها بذلك تعزز الاستقرار الداخلي وتخلق نموذجًا اقتصاديًا أكثر عدالة واستدامة، ما يسهم في تعزيز الثقة الشعبية في الدولة ومؤسساتها. هذا النهج يتماشى مع رؤية "جون ماينارد كينز" حول دور الدولة في توجيه الأسواق، حيث لا يُترك الاقتصاد بالكامل لقوى العرض والطلب، بل يتم ضبطه بسياسات حكومية تحمي الاستقرار العام وتضمن استدامة النمو، وهو ما يشكل أحد أعمدة السيادة الوطنية الاقتصادية.
وفقًا لنظرية “العقد الاجتماعي” لجان جاك روسو، فإن شرعية أي نظام سياسي تعتمد على قدرته على تحقيق العدالة الاقتصادية، وهو ما يتطلب شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص. يشكل القطاع الخاص في الأردن أكثر من 70% من الاقتصاد الوطني، فإن التزام الشركات بمسؤولياتها تجاه المجتمع لا يسهم فقط في تحسين جودة الحياة للمواطنين، بل يعزز أيضًا استقرار النظام الاقتصادي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك والاستثمار، ويحقق للشركات عوائد اقتصادية مستدامة. في هذا السياق، فإن تنظيم القوانين والتشريعات لتشجيع الشركات على الاستثمار في المسؤولية المجتمعية يعزز الاستقرار السياسي، حيث تصبح الشركات لاعبًا رئيسيًا في دعم التنمية، مما يرفع من معدلات التوظيف، ويحقق توزيعًا أكثر عدالة للثروة، وهو أمر ضروري لضمان استمرار الشرعية السياسية والاجتماعية في ظل الأوضاع الراهنة.
كلما وفّرت الحكومة تسهيلات مدروسة للشركات، مثل الحوافز الضريبية والتخفيضات الجمركية، زادت قدرتها على لعب دور تنموي فعّال، مما يخلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية، ويعزز القدرة الوطنية على تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية. فالمجتمعات التي تحظى بمساهمة قوية من القطاع الخاص في الخدمات الأساسية تكون أقل عرضة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يعزز مناعة الدولة الأردنية أمام التحديات الإقليمية والدولية، ويزيد من قدرتها على التعامل مع الضغوط الخارجية.
إلى جانب ذلك، فإن تفعيل دور المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص يسهم بشكل مباشر في تقليل نسبة الفقر والبطالة، اللتين أصبحتا تشكلان تحديًا وطنيًا ملحًا، خصوصًا بين فئة الشباب، حيث بلغت المعدلات مستويات مرتفعة تتطلب حلولًا غير تقليدية وجذرية. فلا يمكن التعامل مع هذه القضية بنهج تقليدي يعتمد فقط على الوظائف الحكومية أو العسكرية، بل لا بد من تحفيز القطاع الخاص على خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة من خلال برامج تدريبية، وتمويل مشاريع ريادية، واستثمارات تكنولوجية وصناعية جديدة. أعتقد إن معالجة البطالة والفقر ليست فقط مسؤولية الدولة، بل مسؤولية وطنية يتشارك فيها الجميع، وعندما يقوم القطاع الخاص بدوره الكامل في هذا المجال، فإنه لا يسهم فقط في تخفيف الضغوط الاقتصادية، بل يعزز الاستقرار السياسي والتماسك المجتمعي وهو الأهم في المرحلة القادمة.