*
الثلاثاء: 25 آذار 2025
  • 23 آذار 2025
  • 12:00
نحو فهم متوازن لمسؤولية التربية بين المدرسة والأسرة
الكاتب: د. أحلام ناصر


يشكّل الحوار المجتمعي حول القضايا التربوية، مثل ما حدث ويحدث في المدارس في الاردن وحول العالم، فقد اشار تقرير حديثًا لليونسكو بأن العنف المدرسي والتنمر يشكلان مشكلة رئيسية تؤثر على نحو ثلث طلاب المدارس حول العالم، مما ينعكس سلبًا على صحتهم العقلية ومستوى تحصيلهم الدراسي. وأوضح التقرير، الذي صدر في منتدى التعليم العالمي 2019، أن العنف الجسدي هو الأكثر شيوعًا في العديد من المناطق، باستثناء أمريكا الشمالية وأوروبا حيث يسود التنمر النفسي.
وتُعدّ هذه المعطيات، التي تستند إلى دراسات ميدانية موثوقة، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالموضوع على كافة المستويات، فرصة حقيقية لتقييم الوضع القائم بشكل علمي. غير أن الاستفادة من هذه الفرصة تتطلب مقاربة موضوعية تقوم على تحليل علمي، ورؤية منهجية متوازنة، تُعزز مبدأ تكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة والمجتمع والمؤسسات الإعلامية والدينية، بعيدًا عن ثقافة التنصل من المسؤولية أو تبادل الاتهامات.
أولًا: التربية مسؤولية تشاركية لا أحادية
القول بأن "البيت ليس مسؤولًا" يتعارض مع أدبيات التربية الحديثة، ويقفز فوق ما هو راسخ في علم النفس التربوي والاجتماع التربوي. فبحسب نظرية برونفنبرنر (Bronfenbrenner's Ecological Systems Theory)، تتأثر شخصية الطفل بسلسلة من الأنظمة المتداخلة، تبدأ بالأسرة، ثم المدرسة، فالمجتمع، وهكذا. وبالتالي، فإن الأسرة هي النواة الأولى للتنشئة، وتتحمل مسؤولية تأسيس القيم، وضبط السلوك، وغرس الاحترام، وهي أمور لا يمكن للمدرسة وحدها القيام بها، بل تعتمد على ما يأتي به الطفل من بيئته الأسرية.
كما يجدر الإشارة هنا الى انه في المرحلة العمرية بين 3 إلى 6 سنوات، يكون الطفل في ذروة مراحل الاكتساب غير الواعي، حيث يستقبل ما يدور حوله من سلوكيات ومواقف دون امتلاكه القدرة الكافية على التمييز بين الصواب والخطأ. وتُخزن هذه الخبرات والانطباعات في العقل الباطن، مما يشكّل الأساس الذي يؤثر لاحقًا في تشكيل سلوكياته وأنماط تفاعله مع البيئة في مراحل عمرية متقدمة. حيث تُعتبر هذه المرحلة حاسمة في تشكيل سلوكيات الطفل المستقبلية، مما يستدعي توفير بيئة تربوية إيجابية تدعم نموه السليم وتُعزز من قدرته على التمييز بين السلوكيات الصحيحة والخاطئة.

ثانيًا: المدرسة جهة تعليمية وتربوية، لكنها ليست وحيدة في الميدان
إن تصوير المدرسة على انها مصدر مطلق لتربية المجتمع، ويعزو نجاح أو فشل الأسرة إلى ما تعلمه الوالدان في مدارسهم. هذا التبسيط يغفل أن المدرسة جزء من منظومة أوسع تشمل الإعلام، والثقافة المجتمعية، والتحولات الاقتصادية، والتكنولوجيا، يتضاءل تأثير المدرسة فعليًا في ظل الانتشار الواسع وسهولة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الإلكتروني، ما لم تكن الأسرة داعمًا حقيقيًا وشريكًا فاعلًا في العملية التربوية.
ثالثًا: التفاعل المجتمعي مع المدرسة مسؤولية الطرفين
قد يُنظر إلى ضعف مشاركة أولياء الأمور في الأنشطة المدرسية على أنه شكل من أشكال التقصير، إلا أن هذا الحكم يغفل جملة من الأسباب الموضوعية التي تفسّر هذا العزوف، أبرزها ضغوط العمل والانشغال اليومي، إضافة إلى افتقار العديد من المدارس إلى بيئة مهيأة لاحتضان الأهل كشركاء حقيقيين، وهو أمر تفاقمه مشكلات الاكتظاظ التي تسعى الحكومة إلى معالجتها عبر تأمين التمويل اللازم وتوفير حلول مبتكرة. وتشير تقارير دولية، مثل "دليل الشراكة بين المدرسة والأسرة – اليونسكو 2021"، إلى أن بناء شراكة فعّالة بين الأسرة والمدرسة لم يعد خيارًا، بل ضرورة تربوية ملحّة لضمان جودة التعليم وفعاليته.
رابعًا:  تولي الحكومية اهتمامًا كبيرا لإصلاح التعليم بكافة مراحلة، ويعزز ذلك بوثائق وسياسات رسمية واضحة، منها:
•    الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016–2025
•    رؤية التحديث الاقتصادي 2022–2033 – محور التعليم
•    تقرير المتابعة والتقييم 2022–2023 الصادر عن وزارة التربية والتعليم
هذه الوثائق تتضمن أهدافًا قابلة للقياس، ومؤشرات أداء، ومشاريع إصلاحية كبرى، من ضمنها تحسين البنية التحتية، تطوير المناهج، وبناء قدرات المعلمين. القول بانعدام الرؤية يُضعف الجهود الوطنية القائمة ويُساهم في إحباط الرأي العام.
 في الختام، إن ظواهر العنف المدرسي والتنمّر مسؤولية مجتمعية متعددة الأبعاد، فهي ليست نتيجة لإخفاق جهة واحدة. حيث اشارت الدراسات مثل تقرير اليونيسف حول العنف في المدارس (2022) الذي أكد على  أن الأسباب تشمل: ضعف مهارات المعلمين في إدارة الصف، وغياب الدعم النفسي، والتفكك الأسري، وتأثير وسائل التواصل. لذلك لا بد من معالجة شاملة تتكامل فيها أدوار البيت والمدرسة والحكومة والمجتمع والإعلام.
حيث يغرس البيت القيم الأساسية. وتبني المدرسة المهارات والمعرفة، فيما توفر الدولة البيئة والسياسات الداعمة، ويدعم كل ذلك بإعلام يسلّط الضوء دون تحريض أو تبرئة مجانية.
دعونا لا نبحث عن "الطرف المذنب"، بل نعمل جميعًا على بناء منظومة تعليمية عادلة، فعالة، ومستجيبة لتحديات الواقع.

 

مواضيع قد تعجبك