في خضم الأحداث السياسية المتسارعة التي تشهدها تركيا، برزت قضية رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، كمحور جدل سياسي وقانوني واسع. لم يكن اعتقاله مجرد إجراء قضائي، بل كشف عن شبكة واسعة من الفساد، والتلاعب الإعلامي، ومحاولات إرباك الدولة التركية عبر فبركات وأخبار كاذبة تهدف إلى إثارة الفوضى. وبينما تصر المعارضة على تصوير القضية كـ "اضطهاد سياسي"، فإن الحقائق تشير إلى أن القضية أبعد من مجرد حسابات انتخابية، بل تتعلق بملفات فساد بمليارات الليرات، وعلاقات مشبوهة، ومحاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي.
فساد إمام أوغلو: شبكة معقدة من الفساد المالي والإداري
التحقيقات كشفت عن تورط إمام أوغلو في قضايا مالية ضخمة، إذ بلغت قيمة الفساد في بلدية إسطنبول الكبرى 560 مليار ليرة تركية، وهو مبلغ يعادل ميزانيات عدة وزارات مجتمعة! ومن بين أبرز قضايا الفساد التي كشفتها التحقيقات:
عقود وهمية ومناقصات مشبوهة: منح مشاريع لشركات تابعة له أو لأقاربه بأسعار مضاعفة، دون تنفيذ الأعمال بالشكل المطلوب.
تمويل غير مشروع لمنظمات محظورة: تم تقديم دعم مالي لجهات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.
إهدار الأموال العامة: تبديد ميزانية البلدية على حملات إعلامية تخدم صورته الشخصية بدلاً من تطوير البنية التحتية للمدينة.
شهادة جامعية مزورة: الشهادة التي قدمها إمام أوغلو تبين أنها مزورة، وتم إلغاؤها رسميًا من قبل جامعة إسطنبول قبل يوم واحد فقط من اعتقاله.
المفارقة الكبرى أن الذين كشفوا هذه الملفات لم يكونوا خصومه السياسيين، بل أعضاء داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه! فهم من سربوا الوثائق للمدعي العام، وقدموا الأدلة التي أدت إلى مصادرة أصول شركات إمام أوغلو.
حقيقة اعتقال إمام أوغلو: هروب للأمام أم مظلومية زائفة؟
على عكس ما يروج له إعلام المعارضة، لم يكن اعتقال إمام أوغلو بسبب نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، بل العكس تمامًا! بل إن إعلانه غير الرسمي عن نيته الترشح كان محاولة استباقية للهروب من المحاكمة، وإضفاء طابع سياسي على قضيته، بهدف تحصين نفسه تحت غطاء "المنافس السياسي لأردوغان".
رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، وهو أيضاً من حزب الشعب الجمهوري، علق على الأمر بقوله:
> "لا أحد فوق القانون، كل شخص يمكن أن يحاكم، يذهب إلى المحكمة ويحاكم ويعاقب إن كان قد ارتكب جريمة".
وهذا التصريح يؤكد أن القضية جنائية وليست سياسية، وإلا لما تبرأت المعارضة نفسها من إمام أوغلو بهذه الطريقة!
حملة الفبركات الإعلامية والفوضى المصطنعة
ما إن تم الإعلان عن اعتقال إمام أوغلو، حتى بدأت ماكينة الإعلام المعارض والجهات الخارجية ببث روايات غير صحيحة، من بينها:
1. فيديوهات لمظاهرات "مليونية" في إسطنبول
في الواقع، كانت هذه المقاطع إما قديمة أو معدلة باستخدام برامج المونتاج، حيث لم تشهد شوارع إسطنبول أي احتجاجات واسعة كما تم الترويج له.
2. مزاعم العصيان المدني
تم الترويج عبر وسائل الإعلام المعارضة أن البلاد على وشك "ربيع تركي"، وهو أمر غير منطقي على الإطلاق، للأسباب التالية:
تركيا دولة ديمقراطية برلمانية تعددية، وليست دولة ذات نظام أحادي يمكن أن يُسقطه الشارع بسهولة.
تركيا هي المنفذ البري الرئيسي للغرب، وأي فوضى داخلها قد تمتد إلى أوروبا، وهو ما لن يسمح به أحد.
الجيش التركي هو جيش دولة وليس جيش سلطة أو حزب حاكم، وبالتالي من المستحيل حدوث سيناريو الفوضى كما تم الترويج له.
تركيا عضو في الناتو، وتضم قواعد عسكرية للحلف، ما يعني أن أي اضطراب فيها سيكون له تداعيات دولية كبيرة.
جهاز المخابرات التركي متفوق جداً، وقادر على كشف أي مؤامرة قبل تنفيذها، وهو ما حدث بالفعل مع فبركات إسطنبول.
3. أكاذيب حول قمع المحتجين
بالرغم من أن السلطات التركية لم تمنع أي تظاهرات قانونية، إلا أن الإعلام المعارض روج لفيديوهات من دول أخرى على أنها "قمع المتظاهرين في إسطنبول"، في محاولة لتحريض الرأي العام الدولي ضد الحكومة.
الحقيقة ستنتصر على التضليل
ما حدث في تركيا مؤخراً ليس مجرد قضية فساد، بل هو مشهد متكامل من محاولة تضليل الشعب التركي، والترويج لرواية "المعارضة المظلومة"، رغم أن الذين كشفوا فساد إمام أوغلو هم من داخل حزبه! وبينما تحاول بعض الأطراف الخارجية التأثير على مسار التحقيقات، فإن الحقيقة بدأت تتكشف، لتؤكد أن الديمقراطية الحقيقية تعني المحاسبة، وليس الاحتماء بالشعارات السياسية للهروب من العدالة.
تركيا، بتاريخها ومؤسساتها، لن تسقط في فخ الفوضى المصطنعة، وستواصل مسيرتها نحو الاستقرار والتنمية، بعيداً عن الفساد والألاعيب السياسية.