عندما يتعلق الأمر بالوطن، يخرج البعض عن طورهم، ويتجاوزون حدود المنطق والاعتدال. يتحولون إلى مدافعين شرسين، يظنون أنهم بذلك يقدمون خدمة جليلة للبلاد، لكنهم في الحقيقة يسيئون إليه أكثر مما ينفعونه .
فهناك فئة من المدافعين، تتبنى خطابًا متطرفًا، وتستخدم لغة عنيفة، وتطلق اتهامات جزافية، وتشكك في وطنية الآخرين. هؤلاء يظنون أنهم يحمون الوطن، لكنهم في الواقع يشوهون صورته، وينشرون الفتنة والكراهية، ويقسمون المجتمع إلى فئات متناحرة.
وهناك فئة أخرى، تتحدث وكأنها “مالكة الأردن ومعها مفتاحه”، وتعتبر نفسها وصية على الوطن، وتفرض رؤيتها على الجميع، وتتهم كل من يخالفها الرأي بالخيانة والعمالة. هؤلاء يظنون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وأنهم وحدهم من يحق لهم التحدث باسم الوطن، لكنهم في الحقيقة يضيقون الخناق على الحريات، ويكبتون الآراء المختلفة، ويحولون الوطن إلى مزرعة خاصة بهم.
وهناك فئة ثالثة، لا يهمها سوى مصالحها الشخصية، وتتحدث عن الوطن وكأنه “مستأجر” لديها، وتستغل أي فرصة لتحقيق مكاسب مادية أو سياسية، وتبيع وتشتري في المواقف الوطنية، وتغير جلدها حسب الظروف. هؤلاء يظنون أنهم أذكياء، لكنهم في الحقيقة يسيئون إلى سمعة الوطن، ويفقدون ثقة الناس بهم، ويكشفون عن انتهازيتهم وعدم ولائهم.
فأيها المدافعون عن الوطن، كفى مبالغة ومزايدة، وكفى مراددة على السوشال ميديا، الوطن ليس حكرًا على أحد، وليس ملكًا لأحد، وليس مستأجرًا عند أحد. الوطن للجميع، والجميع مسؤولون عنه، والجميع مدعوون إلى خدمته بإخلاص وتفانٍ.
فالوطن يحتاج إلى أفعال لا أقوال الوطن لا يحتاج إلى صراخ وعويل، ولا إلى اتهامات وتخوين، ولا إلى مزايدات ومنافقات. الوطن يحتاج إلى أفعال ملموسة، وإلى مبادرات خلاقة، وإلى حلول واقعية، وإلى عمل جاد، وإلى تضحيات نبيلة.
الوطن يحتاج إلى حوار وتفاهم، وإلى احترام متبادل، وإلى تقدير للآراء المختلفة، وإلى تعاون وتكاتف، وإلى بناء جسور الثقة، وإلى تحقيق المصالحة الوطنية.
الوطن يحتاج إلى قدوة حسنة، وإلى نموذج مشرف، وإلى قيادة رشيدة، وإلى مؤسسات قوية، وإلى قوانين عادلة، وإلى شفافية ونزاهة، وإلى محاسبة ومساءلة.
الوطن يحتاج إلى شباب واعٍ ومثقف، وإلى جيل جديد يحمل راية الوطن، ويحافظ على قيمه ومبادئه، ويساهم في بنائه وتطوره، ويصنع مستقبله المشرق.
أيها المدافعون عن الوطن، تذكروا أن الوطن أمانة في أعناقنا، وأننا مسؤولون أمام الله والتاريخ عن الحفاظ عليه، وعن صونه وحمايته، وعن بنائه وتطويره، وعن تحقيق رفاهية شعبه، وعن ضمان مستقبله.
فلنعمل معًا من أجل وطننا، ولنكن قدوة حسنة لأجيالنا القادمة، ولنجعل من الأردن بلدًا مزدهرًا، وشعبًا سعيدًا، ومستقبلًا مشرقًا.