*
الخميس: 09 أكتوبر 2025
  • 18 آذار 2025
  • 23:13
الموت السريري  عالم بلا اخلاق وبلا إنسانية
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

الشرعية الدولية، ذلك الكائن الذي كان يُعتقد أنه سيبني عالمًا أكثر عدلاً، يُحارب فيه الظلم وتُحترم فيه حقوق الإنسان، أصبح الآن في حالة موت سريري، يمر بمرحلة غيبوبة عميقة في غرفة العناية المركزة. لم يعد يُسمع منها سوى أنين الكلمات الفارغة، بينما يجوب العالم في حرب باردة طويلة بين المبادئ والمصالح. ماذا فعلنا بها؟ وكيف تحولت من مبدأ نبيل إلى مجرد أداة يتم التلاعب بها بين يدي القوى الكبرى، كدُمية في مسرحية ساخرة تنتهك فيها كل القيم، بينما تُقدّم العروض الباهتة والمسرحية المضحكة في أروقة الأمم المتحدة؟ عالمنا اليوم يشبه مشهدًا عبثيًا من مسرحية هزلية، يتصارع فيه الجميع من أجل مصالحهم الخاصة، وكلما ارتفعت أصواتهم مطالبين بحقوق الإنسان، زادت نغمات الرصاص قسوة، وتدحرجت جثث الأبرياء على الأرض.
تخيل أنك تجلس أمام شاشة التلفاز، تستمع إلى خطاب رئيس أحد الدول العظمى، وهو يتحدث عن حقوق الإنسان والسلام والعدالة، بينما في الجهة الأخرى من العالم، تتساقط القنابل على رؤوس الأطفال، وتدمر المستشفيات التي يفترض أن تكون محمية بموجب القانون الدولي. كم هو سخيف هذا التناقض! كم هو مضحك أن نشهد الشرعية الدولية تُستخدم كأداة للمساومة في صفقات خفية، لا تهمها الأرواح بقدر ما تهمها صفقات النفط والأسواق المالية. هل تذكر تلك الحروب التي يتم شنها تحت شعار "حماية المدنيين"؟ هذا الشعار لم يعد أكثر من غلاف فخم لصفقة تجارية، يتم فيها تصدير الموت تحت مسمى "التحرير" و"الأمن". بينما نجد أن الشرعية الدولية، التي كانت يجب أن تكون حارسًا أمينًا على الإنسانية، أصبحت مجرد عبارة تُقال في الاجتماعات، ويُكتب بها تقارير لا تُترجم إلى أفعال حقيقية.
ما الذي يحدث في هذا العالم؟ هل فقدنا كل مبادئنا؟ هل أصبحنا في عصرٍ حيث تسيطر المصلحة الخاصة على كل شيء، حتى على حياة البشر؟ هل أصبحنا نعيش في "عالم بلا قيم" لا مكان فيه سوى للمصالح الاقتصادية والسياسية؟ أصبحنا في عالم حيث تُصبح القيم الإنسانية سلعة تُعرض للبيع، وحيث تُعد الحروب نزاعات تجارية تُفتح فيها الأسواق للموارد، وتُسحب أرواح البشر كأرقام ضمن معادلة اقتصادية لا تتوقف عند أي نوع من الأخلاق. الشرعية الدولية، التي من المفترض أن تكون درعًا للضعفاء، أضحت غطاءً يُستخدم لتبرير الأفعال التي تُسحق فيها الإنسانية، ويُداس فيها القانون الدولي بحذاء المصالح الكبيرة. أموال النفط والمصانع الكبرى، والفوائد المالية أصبحت هي المعيار الوحيد.
العالم اليوم يتسابق نحو الرأسمالية المتوحشة، حيث لا مكان للمبادئ إلا إذا كانت ستزيد من الأرباح. لا تهمك الأرواح ولا الأعمار طالما أن ما يُسحب من خزائن الموارد يكفي لتمويل الحروب وتوفير الأسلحة. أين ذهبنا بالإنسانية؟ أين ذهبت العدالة؟ هل وصلنا إلى نقطةٍ حيث فقدنا الإنسانية تمامًا في خضم هذا الفوضى العالمية التي تُشعلها الدول الكبرى لمصلحة بضع قوى عالمية؟ أين نحن في هذا العالم الذي تمزقه الحروب وتفترسه الصراعات السياسية؟ لا شيء يثبت أكثر من أننا نعيش في عالم مليء بالمصالح الشخصية، يختفي فيه القانون ويغيب فيه الضمير، وينقلب فيه مفهوم العدالة إلى مجرد شعار يُرفع في الهواء.
إذا كان لديك بعض الأمل في أن الشرعية الدولية ستعود يومًا ما إلى الحياة وتُحقق العدالة، فاعلم أنه قد يكون هذا مجرد حلم بعيد، ليس لأنه مستحيل، بل لأن أيدي القوى الكبرى مشغولة جدًا في قبض الأموال وتحقيق المصلحة الخاصة. المصالح أهم من المبادئ، والمال أهم من الإنسان، وللأسف، يبدو أن هذا هو العنوان الرئيس لهذا العصر
 

مواضيع قد تعجبك

مواضيع قد تعجبك