*
الاربعاء: 19 آذار 2025
  • 18 آذار 2025
  • 19:54
ارتقوا ولم يسقطوا في غزة
الكاتب: الدكتور محمد فرج

 

 

على مر التاريخ، أثبتت الشعوب المظلومة أن الألم والمعاناة تصنع أجيالًا أقوى، أجيالا لا تعرف الاستسلام، بل تعيد صياغة المستقبل على أسس العدل والحرية. ما نشهده اليوم من مجازر وحشية ترتكب بحق الأبرياء في غزة ليس إلا علامة على ضعف المعتدي، فهو جيشٌ أنهكته المقاومة وأرهقته صلابة الصمود، يبحث عن نصر وهمي ليغطي على هزائمه المعنوية والسياسية، لكن التاريخ علمنا

 أن الشعوب التي تقهر لا تموت، بل تنهض أقوى مما كانت عليه. فما يحدث الآن قد يكون أحد الأسباب الرئيسية التي ستوحد الأمة، وتعيد ترتيب الأولويات، وتحيي روح النضال في الأجيال القادمة. في قلب الدمار، تصنع الإرادة، ومن تحت الركام، يولد الأمل، اليوم غزة لا تبكي

 شهداءها فقط، بل تربي جيلا جديدا، جيلًا يحمل في قلبه وجع الماضي وعزيمة المستقبل. جيلٌ لن يقف عند حدود الشعارات، بل سيرد في الزمن القريب بوعي وإرادة لا تعرف الانكسار. فهؤلاء الذين ارتقوا، لم يسقطوا، بل صعدوا إلى صفحات المجد، وسجلوا بدمائهم دروسا لن تنسى.

وفي زمن أصبحت فيه الكاميرا بندقية، والقلم سلاحا، يخوض الإعلام معركة شرسة لكشف جرائم الاحتلال وفضح ممارساته أمام العالم. لم يعد الاحتلال قادرا على التستر خلف الروايات المضللة، فكل عدوان، وكل مجزرة، وكل صرخة طفل تحت الركام، توثق وتنقل إلى العالم بلحظاتٍ عبر منصات التواصل الاجتماعي، والقنوات المستقلة، والصحفيين الأحرار الذين يخاطرون بحياتهم لنقل الحقيقة.فالدور الذي يلعبه

 الإعلام المقاوم اليوم ليس مجرد نقل للأخبار، بل هو معركة وعي تهدف إلى كسر الرواية الصهيونية التي طالما سيطرت على المشهد الدولي لعقود. في مواجهة الآلة الإعلامية الضخمة التي تحاول تبرير القتل والعدوان، برز جيل من الصحفيين الفلسطينيين الذين حوّلوا هواتفهم وكاميراتهم إلى أدواتٍ للمقاومة، فباتت صورة الطفل الشهيد، وصوت الأم الثكلى، وصمود المقاومين، أقوى من آلاف التصريحات السياسية.

 

ورسالة غزة إلى كل أحرار العالم، إلى كل من لا يزال يؤمن بأن الإنسانية لا تعرف حدودا، تقول: إن الصمت على الظلم مشاركة فيه، وإن تبرير العدوان هو سقوط أخلاقي لن يغفره التاريخ. فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل هي اختبار للضمير الإنساني، إن الشعوب

التي تتعرض للقهر قد تنحني للحظة، لكنها لا تنكسر. ومن غزة، حيث تحترق البيوت لكنها لا تنهزم الإرادة، يولد جيل جديد يحمل في عروقه ثورة لن تنطفئ، ويؤمن بأن الحقوق لا تمنح، بل تنتزع. لا تختبروا صبر

 الشعوب، فالصبر له حدود، والتاريخ لا يرحم. من راهن على أن الاحتلال سيبقى إلى الأبد، سقطت رهاناته أمام صلابة الفلسطينيين، الذين أثبتوا أن الأرض تحفظ بالدم، وأن الأوطان لا تُباع ولا تشترى.

اليوم، العالم يشهد، والتاريخ يكتب، أن الاحتلال زائل، والمقاومة باقية.

 

مواضيع قد تعجبك