التطورات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة والعالم وبخاصة في سوريا وغزة وقدوم إدارة أميركية جديدة، انتجت تحديات. الا أن القاسم المشترك بين هذه التطورات والأكثر أهمية للأردن هو فوز الرئيس ترامب الذي شكل قلقاً عالمياً وإقليمياً.
إن ملامح السياسة الخارجية الاميركية التي تنتهجها ادارة ترامب بدأت تتضح ضمن استراتيجية قائمة على أميركا اولا من خلال التركيز على الثنائية في العلاقات الدولية وبعيدا عن التعاون المتعدد الاطراف ومن خلال استخدام الضغط والدبلوماسية الارغامية المتمثلة في استخدام ادوات اقتصادية مثل زيادة التعرفة الجمركية والاستحواذ على المصادر الطبيعية والتنمر كما ان هذة السياسة الخارجية ايضا تهدف الى تغيير عميق في السياسية الدولية وتغيير التكتلات الدولية. وهي جازمة واضحة للجميع في العالم لا تفرق بين حليف ومنافس.
ترامب يحمل خططاً كبيرة لمنطقتنا ويتحدث بها حيث أنه مهتم بعقد صفقات وحوار استراتيجي. تطبيع وتوسيع الاتفاقات الابراهيمية. من الواضح ان ترامب عازم على المضي قدماً في خططه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمراحله الثلاث. إضافة لتطورات الوضع في كل من لبنان وسوريا.
صحيح ان هنالك ادارة جديدة مختلفة في نظرتها حول أميركا والعالم عن كثير من الادارات السابقة تحاول ان تحدث تحولات واستدارات مكيافيلية قائمة على مبدأ ان الاهم هو الغاية بغض النظر عن الوسائل. الا انه من المهم ان نتذكر ونؤمن بان العالم اكبر من ان يدار من قبل ادارة واحدة وان اميركا سفينة عملاقة كبيرة تحتاج الى اكثر من ادارة ووقت طويل حتى يتم استدارتها بشكل عميق في محيط عالم هو الاعقد.
وعليه فان نزاعات وقضايا السياسة الدولية للشرق الاوسط ومحركها الاساسي الا وهي القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها وتأثيراتها التاريخية تحتاج الى اكثر من نظرة رئيس نرجسية للتعاطي معها وادارتها وبالتالي حلها. تحتاج استراتيجية عمل محكومة باهداف واضحة ومحددة يكون الاطراف المعنية كلمتهم فيها بعيدا عن فرض رؤية أحادية يؤدي لسلام ارغامي يأخذ مصلحة دولة هي في الاصل محتلة.
مساعي ادارة ترامب الحالية من اجل خلق عملية تفاوضية وبغض النظر عن جدليتها ودوافع ترامب لن تفضي الى سلام حقيقي بين الاطراف في ظل غياب شرطية اساسية وجوهرية تتعلق برغبة الاطراف المعنية في تحقيق السلام وبالذات نتنياهو وحكومته ناهيك عن استمرار غياب رؤية فلسطينية موحدة في مسألة التمثيل والسلام.
صحيح وجود طرف ثالث كوسيط يملك ادوات ومصادر ضغط مهمة جدا لاي عملية سلمية خاصة في النزاعات المعقدة الا ان العامل الحاسم والاهم يبقى هو توافر ارادة حقيقية للسلام لدى الاطراف المتنازعة. لذلك دعنا لا نفزع ونهلع وانما ندير سياستنا بما تمليه علينا مبادئنا ومصالحنا الاستراتيجية ونثق بانفسنا وبدولة لطالما كانت وستبقى حجر اساس في السياسة الدولية للشرق الاوسط بقيادة مدرسة دبلوماسية ملكية متميزة اقليميا وعالميا.
وختاماً؛ العلاقة الأردنية الاميركية هي استراتيجية عابرة للإدارات ومتنوعة بمستويات استراتيجية حيث تعتبر واشنطن أهم دولة في شبكة علاقات الأردن من الداعمين الكبار اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وبالنسبة لواشنطن فإن الأردن واحد من الدول المركزية في الشرق الأوسط وتمتاز ادواته وسياساته وارادته الدبلوماسية بالعقلانية مما مكنه من لعب أدوار عديدة تساهم بشكل مهم في الاستقرار الإقليمي وكذلك تصب في المصالح المشتركة بين كل من عمان وواشنطن.
* مدير مركز الدراسات الاستراتيجية - الجامعة الأردنية